يشبه النوم بحرا احدي جزره هي الموت، وشاطئه الأخير هو البعث والعالم الأخر
يرقد الانسان علي ظهره ويطفئ نور العالم الخارجي باغلاق جفونه، يغمض الانسان عينيه فكأنما يقطع تيار الحياة عن عقله، تهدأ ضربات القلب ويتسلل إلي العقل شئ غامض
في البداية يعبر المرء موجا أخضر من مياه البحر، لم يزل الموج يشف عن قاعه القريب من شاطئ اليقظه، أي مؤثر من العالم الخارجي يستطيع ايقاظ النائم
تبطئ ضربات القلب اكثر ويقع شئ غير مفهوم للعقل فُيبطئ نهر الافكار من تدفقه ، يعبر المرء موجا ازرق ، نبتعد عن الشاطئ اكثر ، وتنسدل علي العقل ستارة تمنع العالم الخارجي أن ينفذ اليه
بعد ساعة من النوم تبدأ المياه الغريقه ، ينقلب المرء ويهدهده موج داكن الزرقه
مثل تنفس البحر يتنفس الانسان تنساب في الأفق القريب أشرعة الأحلام البيضاء ، تزداد توغلا في البحر ، تدخل المياه الداكنة ، يهدأ الهياج الجامع للموج ويتحول الماء إلي زيت ، هذه مياه النوم العميقة ، لا احلام هنا، وهنا لا يصل إلي القاع احد
نحن امام تجربة كاملة من تجارب الموت، تقدم اليك رحمة الله بروفات للموت كل ليلة ، مرحلة من مراحل الطريق يجئ بعدها اليوم الأخر
يموت الانسان إذا نام ثم يبعثه الله إذا جاء اوان يقظته
كيف ينكر الانسان بعث الموتي وهو يموت كل ليلة ويبعثه الله كل صباح ؟!
( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون )
لا شىء يمضى عبثا ولا شىء يقع عفوا
كل شىء مقدر ومحسوب وكل شىء يعلن عن قدرته سبحانه
{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ }
يقوم الايمان بالعقيدة الاسلامية على الايمان باليوم الأخر .. أى لا يكون المؤمن مؤمنا اذا آمن بالله ولم يؤمن بيوم البعث .. وذلك يوم قيامة الموتى من الفناء وعودتهم الى الله
ان الايمان بالله يضع يدنا علي معرفة المصدر الاول الذي صدرر عنه الكون
والايمان باليوم الاخر يحقق المعرفة بمصير الوجود ويضع يدنا علي النهاية التي ينتهي اليها الكون
ويوم القيامة ضروروة من ضروروات عدل الله ، كما أن الجنة والنار ضروروتان من ضروروات رحمة الله وعدله
كثيرا ما تنتهي الجولات بين الخير والشر بانتصار الشرور ، وتمضي الايام ويموت اصحاب القضايا والحقوق ، وتطوي الصفحة علي الظلم
لو كانت الدنيا هي ايام الله وحدها لكان ما يقع فيها من الظلم اضعاف ما يقع من العدل
لو اقتصر الوجود علي الدنيا لكانت اغلبية الوجود ظلما بحتا، تبارك الله تعالي علي ذلك
اسأل نفسك ما هي قيمة اي انتصار يحرزه الشر في الدنيا لو عرفت أن جميع القضايا سيعاد نظرها مرة ثانية امام الله يوم القيامة
ولن يكون القاضي هذه المرة انسانا يمكن التأثير فيه أو خداعه، انما سيكون الحق هو القاضي
سيكون الله هو القاضي
ولن يكون الشهود شهود زور يمكن شراؤهم .. انما ستكون الأيدى والأقدام والعيون والآذان شهودا على الانسان
ينادى الله يوم المحاكمة الكبرى سائلا
(لمن الملك اليوم )
وسيرد عن الكائنات لسان ذلها وانسحاقها
(لله الواحد القهار )
ويحكم الله على عباده
(ونضع الموازين القسط ليوم القيامة)
يتحقق العدل بشكل مطبق ونهائى وحاسم .. للمرة الأولى فى الوجود
اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم
استبعد الكثير فكرة البعث
(وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر )
بعث فرعون
كيف يعيد الله بعث الاجساد بعد أن تتحول إلي التراب؟
الحقيقة أنها لا تتحول إلي التراب فحسب، انها تتحول إلي ملايين الصور قبل أن تتحول إلي التراب
لقد أكلت احدي اسماك البحر عين فرعون، ثم اصطاد السمكة صياد وأكلت ابنة الصياد عين فرعون والسمكة، ثم ماتت أبنة الصياد فتحولت إلي شجرة ورد في حديقة ، ومن عين فرعون نمت شجيرات عشب ، جاءت احدي الابقار الجائعة وأكلت العشب ثم ذبح الجزار البقرة ووزع عين فرعون والسمكة وابنة الصياد علي عشرات من الناس فأكل الناس، مات هؤلاء الناس واكلهم أناس اخرون
كيف يبعث الله عين فرعون الضائعة في ملايين الصور؟
إذا اراد الانسان استرجاع عين فرعون فعليه أن يبحث عنها خلال ملايين الصور التي تحولت اليها،والامر مستحيل
من لصعب علينا أن نبحث عن عين فرعون .. مثلما يصعب علينا أن نسترد طعاما أكله الذباب منا
( وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ )
أما أذا أراد الله سبحانه استرجاع فرعون كله فلا عليه أن يبحث سبحانه أنما هو يأمر فقط
( انما اَمُرهُ اِذَا ارادَ شيئاً اَن يقولَ لهُ كُنْ فيكون ^ فسُبْحان الذي بيده ملكوتُ كلِّ شيءٍ واليهِ تُرجعون)
سيأمر الله فرعون أن يقف بين يديه استيقاظا من الموت، حضورا من العدم ، من الضياع، من التشتت ، من التوزع في ملايين الصور
مجرد الامر يكفي
مجرد توجه المشيئه الالهية يكفي
لا تسأل اذن من يحى العظام وهى رميم
انما تأمل قول الله تعالى
(وضرب لنا مثلا ونسى خلقه قال من يحيى العظام وهى رميم قل يحييها الذى أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم )
قبل ان يولد فرعون كان عدما
كان فناءا
كان صفرا
ثم أمر الله قطرة من الماء المهين أن توجد
ومن هذه القطرة أمر أن يُخلق فرعون
كيف يصعب علي من يخلق من العدم أن يعيد بعث صورة ترابية توزعت في ملايين الصور ؟!
الله فى العقيدة الاسلامية
( أحمد بهجت )