الأربعاء، 25 يوليو 2012

الوعى بالله

أصل الإنسان و فصله هما التراب و النطفة.
جد الإنسان الأول هو التراب.
و أبوه المباشر هو النطفة.
و التراب يوطأ بالأقدام ، و النطفة تغسل منها الثياب ..
فتأمل من يستعلي على الله تعالى و ينكره أو يجحده ، متناسيا أصله و فصله
(الذي أحسن كل شيء خلقه ، و بدأ خلق الإنسان من طين ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين)

الانسان كائن لا علاقة له بأصله ولا بفصله .. كائن تختلف مادته عن مادة الجد والأب .. يختلف عن الملائكة كما يختلف عن وحوش الغابة
يختلف عنهم بالعقل ويختلف عنهم بالوعى الانسانى
ولكنه يتساوى معهم ومع بيقة الخلائق فى الافتقار الى الله .. والحاجة اليه
يستوى فى فقره الى الله .. من يعرفه ومن ينكره .. من يعبده ومن يلحد فى أسمائه

يدرك المؤمن بوعيه أنه يحتاج الى رحمة الله وعونه
ولا يعى الكافرين أنه يعيش عالة على نعم الله رغم أنه يجحد المنعم
واختلاف الادراك عند العارفين والنكرين هو الذى يضع العارفين فى قمة الخليفة بسبب الوعى ويضع المنكرين فى مرتبة أدنى من حصى القاع وصخور الجبال

- جميع الكائنات تعرف لها خالقا وهو الله ..

( وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ فبأى آلاء ربكما تكذبان )

تعبده وتسبحه بأسلوب غامض قد يخفى على بقية الخلق

( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ )

 


- اذا كان الانسان المؤمن يسبح الله بلسانه وعقله وقلبه
فان المنكر لوجود الله لا يستطيع الزعم بأنه المسئول عن تسيير قلبه ودقاته .. ولا يستطيع الزعم بأن آلاف العمليات الكيميائبة التى تقع فى معدته تقع تحت اشرافه وهيمنته وتحكمه
هذا النظام المحكم الدقيق نوع من أنواع تسبيح الخلايا لله ..
اذن لا يستطيع أعتى الكافرين أن يمنع خلايا جسده من تسبيح الله رغم أنفه .. ولا يستطيع أن يمنع جوارحه من الشهادة عليه يوم القيامة رغم أنفه
فمعيار التمييز هنا هو الوعى
ماذا لو أسقط الانسان وعيه بالله ؟
يحدثنا التصور الاسلامى عن حجارة أرق وألين من البشر

( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله )


أيكون لحجارة الجبل من الوعى الغامض والادراك الصامت ما ليس لانسان ينكر الله تعالى ؟

ان الوعى صفة انسانية أصلا .. وانخلاعها عن الانسان يعيده عاريا الى التراب الذى جاءت منه نشأته الأولى
بل ان انخلاع الانسان عن وعيه بارادته وكفره بالله تعالى يجعله ينزل فى مرتبة الخلائق عن درجة التراب الذى جاء منه

{ يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا }


اذن فقد صار التراب أمنية ورغبة مشتهاة

وكيف يكون التراب أمنية الا اذا كان الانسان بغير وعى أقل منه وأدنى ؟

من هنا تجىء أهمية معرفة الله تعالى
بغير معرفة الله ينعدم وعى الانسان وتصير حجارة الجبال أرق من قلبه وألين ويصير تراب الحقول أشرف من عقله وأكرم

والمعرفة أنواع عديدة
معرفة الانسان لنفسه
ومعرفة الانسان لخصائص الحياة وطبائع الأشياء
ومعرفة الانسان لربه
وهذه المعرفة الأخيرة أخطر من دقات قلب الانسان للانسان
نحن نعرف ان توقف القلب يكون ايذانا بوفاة الانسان وعودته الى التراب
لكننا لا نعرف أن توقف معرفة الله عن الانسان تعنى وفاة الوعى الانسانى
وأخطر أنواع الموت هو موت الأحياء الذى لا يدركونه
وهذا ما يكرهه الله لعباده
أن يكونوا قلوبا لا تشعر وعقولا لا تعرف وآذانا لا تسمع وعيونا لا ترى
يأبى الله لعباده أن يكونوا كائنا بلا وعى

لهذا دعا الله تعالى الخلق الى عبادته
وأفهمهم أنه تبارك وتعالى غنى عن انتظار الرزق منهم .. انما هو الذى يرزقهم ويطعمهم .. وأخطر رزق يسوقه اليهم هو دعوتهم الى عبادتهم ومعرفته ..
تشحب كل أنواع الرزق الى جوار هذا الرزق .. وتنفذ كل أنواع الرزق ويبقى هذا الرزق .. رزق يتمثل فى الاذن لعباده أن يعرفوه .. والسماح لهم أن يعبدوه
ولولا لطفه بالخلق لتركهم يولودون ويهلكون أقل مما تولد الأشياء وتهلك .. ولولا هذا الحنان من لدنه لما عرفنا أن لنا خالقا نتجه اليه بذل الدعاء ونعرف فى الذل مجد العبودية

(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون - ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين )

الله عز وجل هو الغنى عن عبادة العابدين وهو المتعالى عن انكار المنكرين
ولو أن الجن والانسن منذ خلق الأرض الى يوم البعث كفروا بالله وألحدوا فى أسمائه ما خدش ذلك شيئا من جلاله
ولو أنهم عبدوه حق عبادته ما زاد فى ملكه شيئا
انما يزيد العابد فى ملكه الخاص حين يعبد
ويجور الكافر على ملكه الخاص حين يكفر
وليس فى الكون المرئى أو الخفى مخلوق الا ويعيش عالة على الله عز وجل

ورد فى الحديث القدسى قوله تعالى

«يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضَرِّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني»
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا

يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجرِ قلب واحد منكم ما نقص من ملكي شيئا

يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عِبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه



الله فى العقيدة الاسلامية 
أحمد بهجت  

هناك تعليق واحد:

  1. سبحانك ربي..
    جزاك الله خيرا مروة..و تقبل الله منا و منكم

    ردحذف