تحكم الظواهر الإنسانية جميعا قوانين النسبية و قوانين اختلاف مستويات النظر ..
ينظر الطفل إلى البحر فلا يرى منه غير سطحه الأزرق الواسع ..
و ينظر العاشق إلى البحر فلا يرى منه غير عرق أزرق ينبض في جبهة الحبيبة ..
و ينظر الصياد إلى البحر فلا يرى منه غير سمكة في شباكه ..
و ينظر العالم إلى البحر فيرى فيه عالما من المواد الكيميائية و المعادن الذاتية ..
و مثلما تختلف مستويات النظر إلى الشيء الواحد .. كذلك يختلف التدليل على وجود الله تبارك و تعالى ..
على أبسط المستويات يمكن أن يبدأ التدليل بهذه البداية
أنا أفكر إذن أنا موجود .. لم أوجد نفسي .. إذن أنا مخلوق .. كوني مخلوقا يقتضي أن يكون لي خالق
(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ )
يطلق علماء التوحيد على هذا الدليل اسم دليل الابداع أو دليل الوجود
ان وجود الانسان نفسه دليل على وجود الخالق
وليس هناك انسان يزعم أنه قد خلق نفسه
ان كل بحث فى الكون يقود الى اعجاز الله وعنايته
وكل بحث فى الانسان يقود الى اعجاز الله وعنايته
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)
- كل شىء محكوم بالعناية الالهية
(لله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون
وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )
لو تأملنا حكمة تسخير الله البحر فسوف نلتقط أول اشارة لمعنى العناية الالهية .. ان الحياة تبدأ من الماء وبغير الماء تهلك الكائنات على الأرض .. وبسبب حرارة الشمس تتبخر المياه وتصنع السحب وبسبب كهرباء السحب تسقط الأمطار ولولا سقوط المطر لاستحال وجود الأنهار والبحيرات ولاستحالت الزراعة على الأرض
ولو أزيحت الأرض الى ضعف بعدها الحالى عن الشمس لنقصت كمية الحرارة التى تتلقاها من الشمس الى ربع كميتها الحالية وقطعت الأرض دورتها حول الشمس في وقت أطول وتضاعفت تبعا" لذلك طول فصل الشتاء وتجمدت الكائنات الحية على سطح الأرض
ولو نقصت المسافة بين الأرض والشمس الى نصف ماهي عليه الآن لبلغت الحرارة التي تتلقاها الأرض أربعة أمثال وتضاعفت سرعتها المدارية حول الشمس لآلت الفصول الى نصف طولها الحالي اذا كانت هنالك فصول مطلقة ولصارت الحياة على سطح الأرض غير ممكنة
فكل شىء على الأرض محسوب بدقة ومقدر بعناية
وهذا ما يعرفه علماء التوحيد باسم دليل العناية
- ومع دليل العناية يضيف علماء التوحيد دليل الحركة
كل شىء فى الكون يتحرك وان بدا شكله الخارجى ثابتا
ان الانسان النائم يبدو ثابتا فى المظهر فى حين يتحرك قلبه ويجرى دمه فى عروقه وتتحرك خلاياه
والجبل الثابت ليس ثابت فى الحقيقة , ان كل ذرة من ذراته تكشف عن عالم من الحركة حول نواة الذرة
والنجوم التى تبدو ثابتة فى السماء تتحرك هى أيضا وتدور حول نفسها وحول نجوم أكبر منها , وتسبح كل المدن النجمية فى الفراغ الكونى فلا تصطدم ولا تتداخل مدارتها
من هو المسئول عن حركة الكائنات ؟
من هو المسئول عن انضباط قوانين الحركة وانسجامها .. بحيث لا تصطدم الشمس بالقمر , ولا تقترب الأرض من الشمس فتبتلعها ؟
ومن هو المسئول عن هذا النظام البديع المحكم الذى يمسك السماوات والأرض أن تزولا ؟
(إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفور )
كل ما فى الكون يقطع بوجود الحق تبارك وتعالى ويشهد له
ولا تنكر العقيدة الإسلامية أن يستدل الإنسان نفسه وبالكون على وجود الله وانما تدعو إليه، وهذا يؤكد احترام هذه العقيدة للعقل.
وتوجد مستويات للاستدلال على وجود الله،
فالنظرة التقليدية تبدأ من الكون والإنسان، أي تستدل من وجود الكون على وجود الله
أما النظرة الأعلى والأرقى فهي تجاوز الوجود إلى الموجد وتجاوز الكون إلى الله، أي أنه تستدل بوجود الله على وجود الكون
وهكذا يفعل بعض المفكرين الإسلاميين، فمنهم من يعتقد أن الفكرة التقليدية في الإستدلال على وجود الله خطأ
فيقول النفرى فى كتابه ( المواقف والمخاطبات )
انه يرفض أن يستدل بوجود الكون على وجود الله
( أنا لا يستدل على .. انما يستدل بى )
وأيضا يرفض ابن عطاء الله السكندرى الفكرة التقليدية فى الاستدلال على وجود الله
ويعتقد أن الكون كان ظلمة أنار بظهور الحق فيه،
فمن رأى الكون ولم يشهد الله فيه أو عنده أو قبله أو بعده .. فقد حجبت عنه شموس المعارف بسحب الأثار فكيف يتصور العقل أن يحجبه شيء وهو أساس كل شيء ولولاه ما كان وجود كل شىء ؟
كيف يحجبه شيء وهو الواحد الذي ليس معه شيء.."
إلهي كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟
أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك؟
متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟
ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟
شتان بين من يراه ويستدل به ومن لا يراه فيستدل عليه".
إن الكون نسبي وجوده مؤقت .. له بداية وله نهاية
أما الله تبارك وتعالى فهو الأزلي المطلق الدائم
وما يراه المفكرون يتفق مع ما يراه العلماء الماديون
الذين يقولوا أننا
( نحن نحكم على الكون بحواسنا الممنوحة لنا ، وهذه الحواس مخادعة ولا تقود الى الحقيقة وليست نهائية .. اذن فان الحقيقة التى ندركها كبشر أو نستمدها من الكون هى فى نهاية الأمر نسبية أما الحقيقة المطلقة فلا يعلمها الا الله )
قمة النظر في العقيدة الإسلامية إذا سئلت : ما الدليل على وجود الله .. أن تقول : الله.
فإن قيل لك : ألا تشك في وجوده ؟
فقل : أشك في وجودي و لا أشك في وجوده .. (أفي الله شك فاطر السماوات و الأرض)
فان قيل لك :
لابد لكل دليل من شهادة يستند اليها .. ما هى شهادتك فى التدليل على وجود الله ؟
قل : قول الله تعالى
(شَهدَ اللهُ أَنَّهُ لا إلهَ إِلاَّ هُوَ وَالملائِكةُ وأُولُوا العِلْمِ قَائِماً بِالقِسطِ لا إلهَ إِلاَّ هُوَ العَزيزُ الحَكيمُ)
اذا سئلت :
لماذا أضاف الله شهادة الملائكة وأولى العلم الى شهادته ؟
قل :
تكرما من الله على الملائكة .. وتشريفا من الله للعلماء .. وليس استدلالا بشهادتهم
( شَهدَ اللهُ أَنَّهُ لا إلهَ إِلاَّ هُوَ )
هذه شهادة الجلال الخالق .. وهى عين اليقين
واذا شهد الخالق , فأى شىء يبقى للمخلوق أن يقول ؟
... ....
الله فى العقيدة الاسلامية
أحمد بهجت
كل ما فى الكون يقطع بوجود الحق تبارك وتعالى ويشهد له
ردحذفولا تنكر العقيدة الإسلامية أن يستدل الإنسان نفسه وبالكون على وجود الله وانما تدعو إليه، وهذا يؤكد احترام هذه العقيدة للعقل.
دين يحترم العقل ويحث على إعماله إنما هو دين مكتمل لا يخشى وجود عيوب أو ثغرات
الحمد لله على نعمة الإسلام
رائع هذا الجزء، كان لدي فكرة تعليق و لكنها لم تكتمل، إذا اكتملت أضفتها في تعليق لاحق،و ان لا فتكون قد أثببت خطأها و ماتت !!
ردحذف..
رمضان كريم