الجميع يتسائل :
لِمَ هو ؟! لِمَ ارتضيتى به شريكا يقويكِ و يُكملك وهو أقل واضعف الجميع ؟! كيف له أن يُشبع احتياجاتك ويُشعرك بالاكتفاء وهو كـ مقعد فارغ شديد البرودة ان فكرتى بالجلوس عليه ولو للحظة يسحب دفئك سريعا ويملأك بالخواء والصقيع ..
ألا تعلمى أن فاقد الشىء لا يُعطيه !
..
ربما كنتم منطقيا على حق .. ولكن ماذا ان كانت للصورة أبعاد أخرى تتجاوز حدود الادراك و المنطق ؟! ربما حينها علينا أن نواجه اللامنطقية بلامنطقية مماثلة.. وهذا ما فعلته .. ولا يُعنى هذا أننى نأيت بنفسى عن الاحتمالات .. ولكنى آمنت بحتمية التوافق وحدوث الاستثناء
وكيف لا أومن وهذا الذى لا يجد فى داخله القوة لمساعدة نفسه – فضلا عن غيره - كان يركض الىّ - وقت ما أحتاجه - ناسيا هشاشته وجرحه وتيهه وخوفه وحيرته وكل تعقيداته وقيوده لـ ينتشلنى من سقوطى برفق ويحتوينى بكل ما فى داخله من حنان ويهمس لـ قلبى و روحى " أنا هنا بجانبك ولن أتركك أبدا مهما حدث " ويظل يرددها حتى يهدأ روعى .. و تتسع مساحات الألفة بيننا وتتهاوى الحواجز والأقنعة رويدا رويدا فـ أفرغ أوجاعى وكل ما يؤرقنى .. أترك نفسى تنهار فى حضرته دون خوف أوخجل .. وأبكى بقوة .. تتساقط دموعى بغزارة وهى تحكى له كل خبايا دواخلى ... وعندما يرانى فى تلك الحالة المزرية لا يذهب متعللا بفزعه .. و مطمئناًُ نفسه بـ مطالبتى - خلى بالك من نفسك - الاعتناء بحالى .. لا .. لم يفعلها ولا مرة .... فـ هو لم يفزع من نحيبى .. لم يفر من هشاشتى ... .. ولم يُصدم من نقائصى وتناقضاتى.. ولم يحاول انتقادى أو تصيد أخطائى .. ولم يتجاهل احتياجاتى .. بل كان يصغى الى كلماتى حد التشرب بالمعانى المختئبة خلفها .. ويشعر بى حد الامتلاء والتشبع بأوجاعى .. ويفهمنى ويتفهمنى حد احتوائى وتوجيهى للطريق الصحيح .. ولا يدعنى الى نفسى الا بعد أن يُشبعها آمنا وأمانا
فـ كيف لا أشتهيه وطنا أسكنه وأستودعه نفسى يحميها ويرعاها ويربت عليها بعد أن عرفت وشعرت للمرة الأولى معنى الاطمئنان فى قلب ووجود شخص آخر ؟!
فـ هذا الفاقد والمفتقد لكل شىء منحنى من نفسه وروحه ومشاعره وكيانه .. ولم يبخل علىّ .. لم يخبرنى أنه مثلى ضعيف قليل الحيله ولا بيده شىء لنفسه أو لى .. لم يفكر أنه أكثر احتياج منى .. بل أعطانى كل ما لديه وآثرنى على نفسه.... حررنى من مخاوفى وملأنى بالسلام على الرغم من أنه كان مقيد الى سجون دواخله ... وساعدنى كى أجد نفسى وأتعرف عليها على الرغم من عمق تيهه وضلاله .. وقدم لى ما فى داخله من طاقه وتركنى أنهل منها على الرغم من أنها بالكاد تكفى لسد حاجته .. ودائما ما أجده ممسكا بى بشدة كلما قابلتنى عثرة وأدت الى ترنحى
وعندما تشبثت به أكثر وأكثر لم يلقى بى متعللا بثقل أوجاعى واحتياجاتى .. بل ظل يهتم بى ويحبنى فى كل حالاتى فى عجزى وضعفى وجنونى وانكسارى وقسوتى وتيهى وغرورى وطغيانى ..... لم يحاول ولو لمرة نكأ جراحى بتصرفات وأفعال يُقال أنها حماقات وتعقيدات الحب بل ربت عليها بهدوء ومحى كل آلامى بحنانه وملأ كل فراغاتى بوجوده حتى أصبح أقرب الىّ من أحزانى وأوجاعى .. و بات حاضر فى كل لحظات حياتى قدر ما يستطيع وأكثر مما أحتاج
لقد مد لى يده بالأمل والحياة فى وقت كان الألم والوحشة يستوطنوا دواخله ويكادوا يقتلوه وجعا ... فكيف لا أثق وأؤمن به حد اليقين ؟!
هذا الذى – منطقيا – من المفترض أن يكون أضعف منى فى ألمى وألمه ... أستطيع أن أستند عليه وأنا موقنه أنه لن يتركنى أهوى ... فقد أدركنى بحدسه .. ليس بأذنه فقط ولا بعيناه فقط ولا بقلبه فقط ولا بعقله فقط ... بل بكل ذاته بكل مشاعره بكل وعيه بكل كيانه ..فـ تعرف الى روحى .. ولمس جوهر وجدانى واستطاع أن يصل الى أعمق أعماق نفسى .. تعمق بى وحاكانى بكل حواسه فـ قرأنى بكل ما فيا وطوقنى بكل ما فيه فـ التقينا وتوحدنا واكتملنا بعد أن وجد كلا منا النصف المتوافق معه والمكمل له لدى الآخر