السبت، 4 أغسطس 2012

القضاء والقدر (3)


الانسان مخير أم مسير ؟


هذا السؤال لا يمكن الاجابة عنه نظريا .. ان الانسان ليس مخلوقا بهذه البساطة
بل هو مخلوق شديد التركيب والتعقيد والاعجاز .. ويتعرض لمواقف متعددة فى الحياة ، ويتعرض لتغير مستمر فى الحياة ، ولهذه المواقف التى يتعرض لها مستويات فى الشعور والفهم .. وللتغيير أيضا مستوياته .. أى هذه الواقف تريد أن نحدثك عن حرية الانسان فيها أو كونه مسيرا ؟

هناك معيار عام لهذه المسألة كلها ..


الانسان مخير فيما يحاسبه الله عليه ، وهو مسير فيما لا يحاسبه الله عليه
قال النبى ( آمنت بالله خيره وشره وحلوه ومره )
من دعاء النبى
( وقنى شر ما قضيت )
لا نجعل قضاء الله وقدره حجة لنا فى ترك أوامره واجتناب نواهيه ، بل يجب أن نؤمن ونعلم أن الله ألزمنا الحجة بانزال الكتب وبعث الرسل
(لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )
الله سبحانه ما أمر ونهى الا المستطيع للفعل والترك ، وأنه لم يجبر أحدا على معصيته ، ولا اضطره الى ترك طاعته
( لا يكلف نفي الا وسعها ) (فأتقوا الله ما استطعتم )
( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم )
فدل على أن للعبد فعلا وكسبا يجزى على حسنه بالثواب ، وعلى سيئه بالعقاب .. وهذا كل واقع بقضاء الله وقدره

لم يستمر هذا الفهم النقى طويلا فى حياة المسلمين
ارتد الناس الى الايمان بأنهم مسيرون كالدمى فى مسرح العرائس ، ثم نشأت فكرة مناقضة .. تدعو الى اعتبار الانسان حرا كالإله .. خالقا مثله

فبعد أن كانت قضية القضاء والقدر عند المسلمين فى عصر النبى شجاعة قلبية كبرى ، واستشهادا فى سبيل الله ونشر الاسلام .. صارت مدعاة لتخاذل المسلمين أمام أعدائهم ، وزيادة بأسهم بينهم .. وعدم تحركهم لاحراز أى تقدم
واتهمت الحضارة الاسلامية بأنها حضارة قديمة .. لا مجال فيها لارادة الانسان ولا معنى لحريته
والتهمة باطلة اذا نظرنا الى أصل عقيدة القضاء والقدر فى الاسلام
وهى صحيحة اذا نظرنا لحال المسلمين السيئة

هل الانسان مخير أم مسير ؟
هل الانسان معدة أم قلب ؟
هل صنعت الطائرة من الحديد أم من النحاس ؟
ان منطق الأسئلة الثلاثة متشابه
منطق التبسيط الجائر
ليس الانسان معدة فحسب ، ولا قلبا فحسب ، ولا عقلا مجردا ، ولا جسدا دون روح ، ولا روحا دون جسد ، انما الانسان تركيب رائع التعقيد ، والعلاقات بين القلب والرئتين والعقل والروح وخلايا الجسد ونخاع العظام .. هذه العلاقات موضوع أكثر من علم كعلوم الطب والكيمياء الحيوية وعلم النفس والاجتماع
من الخطأ اذن أن نسال :
هل الانسان روح أم جسد .. هل هو قلب أم عقل ؟
لأنه خطأ لأنه ممعن فى السذاجة
وهو يشبه سؤال طفل لوالده : هل صنعت هذه الطائرة من الحديد أم النحاس ؟
لو قال الأب للطفل : ليست الطائرة مصنوعة من الحديد ولا من النحاس .. انها صنعت من السبائك ، وهو خلطة من معادن كثيرة يدخل فيها الحديد والنحاس والألومنيوم .. لوقال الب هذا لطفله وغضب الطفل لأن الجواب لم يأت بسيطا كالسؤال .. فليس هذا ذنب الاجابة
الذنب هو ذنب الطفولة
ذنب سذاجة الطفولة !

يقول الدكتور دراز : ( أن الانسان مخير معا ولكنه يقوم بهذي الدورين فى ميدانين مختلفين )
الانسان يجمع بين وصفين متناقضين فى علاقته بالكون :
انه سيد ومسود ، وحاكم ومحكوم ، ولكن فى ميدانين مختلفين
فهو فى عالم المادة والأحياء وعلم النفس لا يخرج عن أن يكون جزء من العمارة الكونية ، خاضعا لنواميسها وقوانينها
يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا, لا تنفذون إلا بسلطان

وللانسان ميدانا أعلى يملك فيه حريته ، ويبرز فيه سلطاته ، وتقرر فيه مسئوليته ، حيث تسلس له الطبيعة قيادها ، وتملكه زمامها ، وتمهد له سبلها المختلفة ينتقى منها وينتخب

الله فى العقيدة الاسلامية
(أحمد بهجت )

هناك تعليقان (2):

  1. انه السؤال الأبدي، هل الانسان مخير أم مسير ؟
    ربما الرابط بين الاثنين دقيق ورفيع،و استخدام العقل يفصل بين مواضع الاثنين بسهولة،و ربما هذا كما ذكرتِ كان سبيل الرعيل الأول من المؤمنين،و لكن ليس هناك شئ ثابت فلربما يصيبه تزعز يرفعه أو يخفضه..
    جزاك الله خيرا مروة، تحياتي.

    ردحذف
  2. جدل من قديم الأزل وهيفضل ليوم القيامة حوالين القضية دي.. والعجيب إني عمري ما شفت فريق من الفريقين بيقتنع برأي التاني ويسلم بيه.. مع إن الموضوع سهل وبسيط D:

    ردحذف