الأحد، 29 يوليو 2012

صرخة جيل (2)


حوار مشتعل بين جيلين مختلفين ، وفكرين مختلفين
الكبير ينظر الى الصغير نظرة استخفاف واستصغار ولسان حاله يقول :
ماذا تعرف أنت أيها الطفل عن الحياة حتى تدعى النضج ؟؟
وماذا رأيت حتى تجادلنا ؟؟
مازلت صغير وأمامك الكثير لتتعلمه وتدركه ، فأنت كالثمار تحتاج لوقت كافى حتى تنضج

والصغير  يرى الكبير ضيق الأفق ومحدود التفكير ، وأن الزمن تغير والعالم تطور وهذا يحتم عليه أن يفكر بطريقة  وآلية جديدة تتماشى مع العصر الحالى
وهذا يؤدي لوجود مشكلة  نتائجها السلبية هروب الأبناء  من مناقشة الأهل حتى لا يصلوا الى طريق مسدود


حوارنا المرة دية هيكون مع مردد مقولة الامام الشافعى
(قولي صحيح يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب )

اسلام : يا عم انت لسه فاكر ..  خلاص بطلنا
مصطفى : ليه كده ؟
اسلام : مش عارف أطبقها مع نفسى أو مع غيرى وخصوصا أبويا
 بس اكتشفت قاعدة تانية مخليانى أخر تمام وزى الفل
مصطفى : وايه هى ؟
 قاعدة ( يا عم كبر !! نفض !! )
مصطفى : ايه القاعدة الغريبة دية .. وبتنفذها ازاى ؟
اسلام :
دية قاعدة تكبييييييير الدماغ
مخلية أبويا راضى عنى
أصل أنا حللت أبويا نفسيا ولقيته شخصية نارية ديكتاتورية
مصطفى :  مش فاهم حاجة
اسلام :
نارى الطبع يعنى لا يتحدث الا صارخا
وديكتاتوري يعنى لا يتقبل أى مراجعة أو معارضة ، لأنه ليس قادر على تقبل أراء الأخرين واحترام من يخالفه فى الرأى
مصطفى : يا عم كلمنى عربى وسيب التحليل عليا أنا  ؟
اسلام :
 يووووه بقى انت هتتعبنى أنا عارفك طول عمرك أغبى اخواتك 
مصطفى : يا سلام  ، هو انت فقدت الذاكرة ولا ايه ؟ ، أنا أصلا مش ليا اخوات 
 اسلام :
طيب أنا أفهمك علشان انت صعبت عليا
 أبويا ماشى بقاعدة  ( كل ما يختلف عنى هو باطل )
 كل ما أجى أتناقش معاه فى أى حاجة ، لازم هو يبقى دايما الصح ،  ولو حاولت أشرحله وجهة نظرى  ..  يحول نقاشنا الى اختلاف ثم الى خلاف
ويقعد يزعق كأنى قتلتله قتيل .. فبقيت أكبر دماغ ، ازاى بقى ؟؟
بقعد أهز فى رأسى بالموافقة على كل أراء والدى العزيز وساعات بزودها شوية وأقعد أقوله
(  يا سلام يا بابا دايما عندك حق وعمرك ما بتغلط أبدا )
مصطفى  : يعنى علشان تستريح بقيت منافق
اسلام   : يعنى عايزنى أعمل ايه ؟
والله أنا من جوايا بكون مخنوق ، ونفسى أصرخ وأقله ( يابابا اسمعنى افهمنى .. أنا عايز أقرب المسافة بينا   ، بس أنا تعبت من المشاكل معاه فبقيت أكبر دماغى ، ومش مهم  أنا بقى أتخنق أتحرق أو المسافة تكبر بينا ،، المهم انه يكون كده هو راضى ومرتاح 
مصطفى : طب احنا عرفنا ليه مش عارف تطبق مقولة الامام الشافعى مع أبوك ، طب ومش عارف تطبقها مع نفسك ليه ؟
اسلام :
لقيت نفسى من غير ما أحس ماشى بقاعدة (ان اتفقت معى فأنتى صديقى وان خالفتنى وعصيت قولى فأنت عدوى )
مصطفى : يا ساتر يارب .. عدو مرة واحدة ! ،  وازاى وصلت لكده ؟!
اسلام : شكلى اتعديت من أبويا
مصطفى : يعنى بدل ما تعالج أبوك .. اتعديت منه .. ده ايه الذكاء ده ؟!
وبتقول عليا أنا اللى أغبى اخواتى ،  وعرفت منين يا ذكى انك اتعديت ؟
اسلام : من العدد الكبير  لأصحابى  اللى خسرتهم
كل ما كنت أدخل مناقشة مع حد فيهم .. بحاول أفرض عليه رأيى بكل الطرق .. وطول المناقشة أفضل أقنع فيه ان رأيى هو اللى صح وهو كمان .. لحد ما بنوصل لطريق مسدود فأروح متعصب وأمشى بعد ما أقوله انت حر
مصطفى : بس انت كده متحامل على نفسك أوى ، أنا ساعات بلاقيك ساكت لو فيه مناقشة بينا وبتستمع للأراء التانية  ؟
اسلام :
أه فعلا بكون ساكت ، بس بصراحة أنا بعمل كده مش علشان أسمح للطرف التانى يقول رأيه ووجهة نظره المختلفة عنى 
مصطفى : أومال علشان ايه ؟
اسلام : علشان ألاقى ثغرة فى كلامهم أقدر من خلالها أشن حملة الهجوم عليه
 وكمان فيه فرق بين انى أسمع وبين انى أستمع
مصطفى : وايه الفرق يا فيلسوف
اسلام :
الفرق انك طول النهار بتسمع كلام  وأصوات كتييير .. زى مثلا الأغانى الهابطة اللى بنسمعها غصب عننا فى الأفراح أو المواصلات  ، وكمان  الأصوات المزعجة والألفاظ المخجلة اللى بنسمعها فى الخناقات .. الخ
يعنى من الأخر تسمع معناها  غصب عنك مش بمزاجك , شئت أم أبيت هتسمع
لكن تستمع يعنى انت اللى بتقرر بمزاجك انك تنصت وتصغى باهتمام للطرف الأخر وكده انت بتكون ناوى تقيم حوار مفيد دون أن تتعصب لأرائك .. حوار قائم على تبادل الأفكار والأراء للافادة والاستفادة دون أن يتعصب أحد الطرفين لرأيه 
يعنى نعرض أفكارنا وأرائنا علشان نفيد ونستفيد ولو كان رأى حد فينا غلط يصححه وميتمسكشى بيه زى الطفل العنيد الساذج وبالتالى مش هنوصل  فى النهاية لجدال عقيم مفيش منه فايدة غير اننا بنخسر بعض 
كل ده أنا عارفه ، بس المشكلة مش عارف أطبقه على نفسى .. مش عارف أتعلم فن الحوار والانصات
انى أستمع لغيرى ويسمعلى .. ومش مهم حد فينا يفوز ويطلع رأيه هو اللى صح .. الأهم اننا نحترم أراء بعض ونحافظ على صداقتنا وعلاقتنا بعيد عن حرب الأراء اللى بتخلينا نتمسك برأينا  بعد ما نقتنع انه غلط علشان بس منطلعشى خسرانين
مصطفى : يعنى انت أوقات بتقتنع ان رأيك غلط بس  مش بتحب تطلع خسران ولا علشان بتتكبر انك تعترف انك غلطان ؟
اسلام : الاتنين  ، و الأسوأ لو طلعت وجهة نظرى هيا اللى صح
مصطفى : ليه بقى ؟
اسلام : لأنى مش بكتفى بالخروج منتصر من حرب الأراء ، لأ كمان بنتقد  الشخص اللى اعتبرته خصمى وبفضل أتريق عليه قدام أى حد يعرفه
مصطفى : علشان كده خسرت أصحاب كتير ، والله ليهم حق لو شافوك صدفة يودوا وشهم الناحية التانية ؟
اسلام : ما هما بيعملوا كده فعلا ، وصح عندهم حق ، للأسف أنا بعيب على أبويا وأنا بعمل زيه


عزيزى القارى
 بعد أن اعترف اسلام  فى لحظة صدق نادرة انه أصيب بنفس مرض والده  وهو التعصب  لرأيه الذى من وجهه نظره أنه الأصح وغيره خطأ -، ومحاولة فرضه على الأخرين  بشتى الطرق ، وعندما لا يستطيع  ، ينهى الحرب بجملة ( انت حر ) أى أن اختلاف الرأى لا يفسد للود قضية ، هذا الذى يظنه الطرف الأخر  ، ولكن الحقيقة أن اسلام  من الداخل يشتعل لأنه لم يستطيع تحقيق النصر
واعترف أيضا أن المرض لديه تفاقم بطريقة سيئة تجعله لا يكتفى بالانتصار على خصمه بل أيضا لا يتركه يحتفظ بماء وجهه  
 أى أنه ينتقم منه بطريقة قاسية جدا وهى السخرية والاستهزاء به أمام الجميع  لأنه كان يجهل الصواب

قال تعالى
( وَلَوْ شَآءَ رَبّكَ لَجَعَلَ النّاسَ أُمّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاّ مَن رّحِمَ رَبّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ..)

فلماذا نعتبر الحوار وتبادل الأراء حرب ومعركة يجب أن نخرج منها منتصرين ؟
النقاش مفيد مهما تضاربت وجهات النظر لأنه وسيلة لتبادل الرأى وتصحيح وجهات النظر ..
وليس من حق أى انسان أن يحجر على حرية انسان أخر فى ابداء رأيه وطرح وجهة نظره  .. قد يكون رأيه مكملا لرأيك  أو صالحا لظروف أخرى وزمن أخر

لذا فليس من حقك أن تقرر أن كل من حولك خاطئون وأنك الوحيد على الحق
واذا حدث وكنا على حق لماذا لا نكون لطفاء ونترفق بغيرنا اذا أخطأ ونتفهم أنه ربما يجهل الصواب لقصور فى مداركه أو معلوماته أو أن ذهنه فى تلك اللحظة كان مشوش ولم يستطع التركيز ؟

قال الخليفة معاوية بن أبي سفيان:
( لو أن بيني وبين الناس شعرة ما قطعتها .. إن شدو أرخيت وان أرخو شدد (
يجب علينا أن نتقبل بصدر رحب أن لغيرنا رأى مخالف ، نعامله كما نحب أن يعاملنا ، فنستمع له ونحترم رأيه ، ولا نتعمد الاستئثار بالمناقشة دون أن نمنحه حقه فى ابداء رأيه والانصات له ، وألا نتكبر أو نخجل من الاعتراف بالخطأ والعودة الى الصواب ، فجميعنا بشر نخطىء ونصيب ، حتى أفضلنا يرتكب أشياء سيئة ويتخذ قرارت خاطئة فلا داعى لأن ندعى الكمال وأن رأينا هو الأصح وغيرنا هو الخطأ

ربما كان الأهل أكثر خبرة من الأبناء 
 ولكن
عندما نربى أبنائنا فى بيئة مليئة بالسيطرة وفرض الرأى سينعكس هذا بطريقة سلبية على شخصياتهم وتصرفاتهم مع كل ما يواجههم فى ميدان الحياة حيث التعامل مع مختلف الطبائع والنفوس والشخصيات
فاما سيتشربوا ما تربوا عليه و يصبح أسلوب الاستبداد والاستئثار بالرأى سلوك مترسخ فى طبيعتهم
وهذا سيجعلهم دائما يحاولوا  فرض رأيهم وسلطتهم بشتى الطرق
واما سيحدث العكس وتنتج شخصية مهزوزة ضعيفة ، لا يستطيع النقاش أو ابداء رأيه فى أى شىء ،  ودائما سيظل متردد ولا يستطيع الانفراد  بأبسط القرارت المتعلقة به شخصيا .. فدائما سيظل بحاجة الى شخص ما    
التواصل هو مفتاح العلاقة الناجحة بين الأباء والأبناء
الحوار بين الأهل وأبنائهم  يوطد العلاقة والثقة بينهم ،  واحترامهم  لرأيه يفسح المجال أمامه للتعبير عما يجول بداخله  طالما   أنه وجد فرصة لابداء رأيه وطرح وجهة نظره ومناقشتها بكل حرية بدون قيود أو خوف من ردة فعلهم
 فالحوار المفيد هو الذى يقوم على احترام الذات والأخرين وتقبل الرأى الأخر
لذلك يجب أن على الأباء أن يعلموا أبنائهم منذ نعومة أظافرهم  فن ثقافة الاختلاف واحترام الأخرين والانصات لهم وليس تلقينهم  مفردات القسوة وأبجديات الاستبداد بالرأى
أن يتعاملوا معهم كما كان يتعامل الرسول صل الله عليه وسلم مع صاحبه وهو يحاوره 
 "قل أبا الوليد أسمع لك"، "أفرغت أبا الوليد"؟

هناك 5 تعليقات:

  1. بجد يعني نفسي ف اليوم اللي نقدر فيه نسمع بعض.. ولو واحد طلع غلط واقتنع برأي غيره يعترف بكدة.. ولو ماقتنعش يحرتك الرأي التاني من غير ما يشيل منه

    على كل حال.. متفائل *_*
    مسيرنا نبقى كدة إن شاء الله

    رمضان كريم

    ردحذف
    الردود
    1. ان شاء الله
      انت أكبر مثال ان فيه أمل

      حذف
  2. بداية، إحترامنا لأراء بعضنا البعض جميل جدا و لكن ما جدوى هذا الاحترام إذا كان يجب علينا ان نتفق و نتبع رأي واحد، فتجدنا كلا منا احترم رأي الاخر و تبع كلا منا رأيه الخاص ؟!! الاحترام أحيانا يكون بالاتباع مادام سيصنع وحدة.
    ..
    أعتقد مشكلة عدم وجود حوار او تفاهم أو إحترام بين الاب و أبناءه مشكلة، بل مصيبة كبرى تكاد لا تخلوا منها بيوتنا جميعا،و لكن انا شخصيا أظنني لا اعاني من هذه المشكلة، ربما لا أتناقش مع أبي كثيرا،و لكن لي دوما حرية الاختيار،و حواراتنا تنتهي دوما بالاتفاق و الحمد لله.
    ..
    التحلي بالموضوعية و تقبل فكرة انني قد أخطئ مثلي مثل غيري قد تكون مفتاح أو بداية طريق لمجتمع صحي متعافي يقوم على التفاهم و التواصل الفكري بدون تعصب أو تحيز..
    ..
    أشكرك مروة على هذه الجزئية المهمة و التي عرضتيها بشكل جميل و عرضتي فيها رأيك بشكل راق..تحياتي

    ردحذف
    الردود
    1. الاحترام فايدته انه مش هيخلينا نخسر بعض حتى لو فى النهاية مش اتفقنا على رأى واحد بس هنكون حاولنا بالكلمة الطيبة والابتسامة والأسلوب اللطيف لأن الحوار مش حرب
      الحمد لله ودايما تكون علاقتك بوالدك جميلة

      شكرا على تعليقك اللى دايما بيفرحنى وبيشرح الفكرة أكتر

      حذف
  3. المشكلة الابديه
    وجود فجوه بين الاباء والابناء لايسمع كلاهما الاخر
    عندما قرأت موضوعك مروه جال فى مخيلتى الكثير من الشخصيات التى لا تسمع الا نفسها ولا اخفيك سرا ( ولو انى عارف ان السر فى بئر عنك بس امرى الى الله ) احيانا تمر بى فترات لا اسمع فيها الا نفسى , وبعد مرور الموقف وهدوئى واعادة تفكيرى مرة اخرى فيه , الوم نفسى لوما شديدا على ما كان منى
    اتمنى ان يسمع كل منا الاخر لنخرج من الحوار بفائده

    تقبلى تحياتى على موضوعك الرائع

    ردحذف