الثلاثاء، 26 يونيو 2012

العدو المجهول



هل تتفاءل بحدوة الحصان؟
هل تتشاءم من الرقم 13 أو من المرآة المكسورة أو من فتح المقص ليلاً أوترك الحذاء على الأرض بالمقلوب
  أو من البوم .. القط الأسود .. الغراب الأسود ؟؟
هل تؤمن بقراءة الفنجان والأبراج والعرافة و.............؟؟

اذا كانت اجابتك نعم ..  فاحذر من وعكة صحية بعد قراءتك هذه القصة .. لقد أعذر من أنذر


ليلة مظلمة .. برد قارص .. والمطر ينهمر بقوة
بدأت تستعيد وعيها تدريجيا على صوت الرعد المخيف .. فتحت عينيها ببط وهى تشعر بألم رهيب يدق رأسها بعنف.. لتجد نفسها ممددة على أرض صلبة  بظلام دامس  وماء المطر ينهمر ليغطى جسدها
شعرت بالخوف وازدادت ضربات قلبها  .. أغلقت عينيها بسرعة و أطبقت جفنيها بقوة وهى تردد فى خوف
ده أكيد حلم .. أكيد كابوس  ودلوقتى أصحى
فتحت عينيها ببطء مرة أخرى وهى ترتجف وتمتم بخوف :
يارب يكون حلم .. وعندما سمعت صوت الرعد المخيف ورأت الظلام الحالك من حولها
خيم عليها شبح الخوف  وهمست بتمتمات مرتعشة
هو أنا فين ؟؟ وفين ماما وبابا ؟؟
شعرت بألام مبرحة فى أنحاء جسدها ولكنها  تحاملت  على نفسها ونهضت متثاقلة .. وعيناها تدوران تنظر الى المجهول من حولها لترى انها على قمة جبل 
سارت متعثرة الخطوات في الطريق المظلم..  تجرجر قدميها المرتعبة وتنظر حولها باحثة عن أحد .. ولكن لا يوجد حولها غير المجهول
الريح تشتد .. تواجه جسدها النحيل .. تتلاعب به .. والبرق يلمع فى صفحة السماء .. يتلوه صوت الرعد المخيف
تمتلئ عيناها بالدموع .. تصرخ وتنادى بخوف على والدها ووالدتها  ولكن ليس هناك جواب
كانت خائفة مرتعبة فهى تواجه المجهول وحدها الذى لا تعرف كنهه ولا تعرف متى سينتهى , أو ان كان سينتهى  ..
تشعر بخطوات تقترب من خلفها  .. تتوقف تلتفت وتنظر حولها بعينين هلعتين ممتلئتين بالدموع  لكنها لا ترى أحد
عادت تجرجر قدميها  فى بطء وتخاذل وضربات قلبها تتسارع هلعا ..
وتبحث حولها  بعينيها المغرورقتين بالدموع .. المشبعتين بنظرات الخوف والهلع لعلها ترى من يراقبها  ..  لمحت توهج نور خافت منبعث من خلفها   ..  توقفت عندما رأت صديقتها سلمى تقترب مع اقتراب النور .. فابتسمت وارتجف قلبها ارتجافه صغيره بامل واهن
 حاولت التحديق فرأت صديقتها تتكلم ولكنها لا تسمعها   .. ترى شفتيها تتحرك ولكن  الصوت لا يصل اليها .. وفجأة شعرت بأحد من خلفها دفعها لتسقط من الجبل وهى تصرخ

انتفضت دنيا من نومها وهى مازلت تصرخ .. أنفاسها متقطعة من الخوف ودقات قلبها سريعة وأوصالها ترتجف
نظرت حولها لتجد نفسها فى فراشها .. بدأت  تستعيد أنفاسها المتلاحقة وتعود الى هدوئها تدريجيا  عندما أدركت أنه كابوسها اليومى المتكرر
 أمسكت كوب الماء من جانبها بيدها النحيلة المرتجفة وارتشفت رشفات قليلة تعيد لها الهدوء
أعادت الكوب الى مكانه ووضعت يديها على دقات قلبها السريعة وهى تهمس بألم
امتى بقى هخلص من الكابوس ده اللى بيطاردنى فى نومى لحد ما أصحى وأنا بصرخ من الرعب ؟؟
ثم أغمضت عينيها تحاول استعادة الحلم لعلها تفهمه أو تفك رموزه

دنيا  فتاة فى أواخر العشرينات من عمرها .. ليس لديها أخوات
فقدت أمها وهى طفلة صغيرة  .. وعندما تخرجت من كلية التجارة وعملت باحدى البنوك
رحل والدها أيضا عن الحياة فى حادث مرورى
كانت وفاته صدمة قاسية لها ..  لم تكن تتخيل أنها ستفقد أباها يوما ما وأنها  ستعيش بدونه .. فمنذ أن توفت والدتها  كرس والدها حياته لرعايتها .. وأصبحوا يتلازمان ليل نهار ويتشاركان فى كل الأوقات حتى أصبحت هى محور حياته وهو محور حياتها
كان هو السند والمعين لها فى الحياة .. تعتمد عليه اعتمادا كليا فى كل شىء فى حياتها .. حتى فى أبسط الأمور  
دائما كان بجانبها ليحميها من الأخطار ومشاكل الحياة
وعندما رحل عن الحياة .. تركها معدومة التجارب .. مكتوفة العقل .. لم تكبر .. لم تتعلم الحياة كأنها ماتزال صغيرة
أصبحت وحيدة تائهة دائمة التوتر .. قليلة التركيز  وشديدة الانطواء بشكل غير طبيعى .. فبوفاته فقدت مصدر الحنان والأمان لها فى الحياة
وترسخ فى أعماقها الخوف والعجز من مواجهة الحياة .. عانت كثيرا من الفزع والرعب والقلق والخواء حتى أنها فقدت طعم النوم الهادىء .. فاذا نامت لاحقتها الكوابيس المزعجة حتى تصحو فزعه
ليس لديها أقارب الا عم وحيد ..
انتقلت الى منزله بعد موت والدها ولكن زوجته لم تحتملها بين أبنائها وبناتها الصغار.. ففضلت العودة والعيش وحيدة فى منزلها على أن يطمئن عليها عمها كل فترة

ولا تحب الاختلاط بمن حولها من الجيران حتى يتسبب لها هذا الاختلاط بالمشاكل والمواجهات التى لا تجيد التصرف معها وتفضل دائما أن تتنازل عن حقوقها فى أى مشكلة هربا من المواجهة والصراعات التى تسبب لها الرعب
 ولكنها تحب جارتها العجوز الأرملة التى تجيد قراءة الفنجان .. هى سيدة مسنة توفى زوجها وسافر ولدها الوحيد .. تذهب لها دنيا لتقرأ لها الفنجان وتسعد بحديثها وصحبتها لها وحكايتها الممتعة المثيرة التى لا تنتهى
ولكن صديقة طفولتها  الوحيدة سلمى لا تحب جارتها العجوز  ولا تصدقها وتقول عنها عجوز مسنة أدركها الخرف لكبر سنها

فتحت دنيا عينيها المرهقة ومسكت رأسها المتعبة من التفكير ..
ونظرت  الى الساعة المعلقة على الحائط كانت تشير الى الساعة الخامسة صباحا .. مازال هناك الكثير من الوقت على موعد عملها ولكنها لن تستطيع النوم مرة أخرى فالألم فى رأسها لا يطاق والمخاوف لا تهدأ .. أخذت نفسا عميقا و نهضت من فراشها وألف سؤال يجتاح فكرها ليصيبها بحيرة تزيد من خوفها وقلقها
من هذا الشخص المجهول الذى يأتى من خلفها ويدفعها لتسقط من أعلى الجيل .. ولِمَ لم تستطع رؤية وجهه .. وماذا كانت تقول سلمى .. لماذا لم تستطع أن تسمع ما تقول ؟؟ أكانت تنبهها من الشخص الذى دفعها ؟؟

دخلت دورة المياه وأخذت حمام ساخن لعلها تستطيع أن تسترخى وتنسى هذا الكابوس المفزع وتتوقف عن التفكير قليلا   ثم بدأت طقوسها اليومية
 دخلت الى  المطبخ أعدت قهوتها و كعادتها كل يوم قبل ذهابها للعمل دخلت الى الشبكة العنكبوتية  لترى ما هو مكتوب ببرجها اليوم لتطمئن وتعلم ما يخبئه لها العالم الخارجى وتتجنب أى شىء سىء يحدث لها
وعندما تطمئن أن كل شىء على مايرام ترتدى ملابسها وتذهب للعمل
وهكذا أصبحت حياتها بعد أن توفى والدها فى حادث مرورى شنيع  .. استسلمت لوهم اسمه الخوف .. الضعف .. العجز عن مواجهة الحياة
فمرت سنين وهى فى  ظلمة دامسة .. برودة قاسية .. فى عالمها المنغلق على نفسها .. وكل يوم تزداد انطواء ويتضخم خوفها ووساوسها وقلقها من العالم الخارجى
وحتى تطمئن نفسها من أفكارها المخيفة .. وتستطيع التعامل مع ما يخبئه لها العالم الخارجى
أصبحت مهووسة بقراءة الأبراج والكف والفنجان وتقتنع بما ينتج عنهما خير أو شر .. يمثل تقليد يومى لها ..
لا تفوت يوم من دون معرفة تفاصيل ودقائق برجها  .. وتتخذ من التنبؤات المفترضة لبرجها محركا لمسارها اليومى .. حتى أصبحت حياتها أسيرة لتلك الخرافات

ذهبت دنيا الى العمل وهى مازالت شاردة تفكر فى ذلك العدو المجهول الذى ينوى لها الشر
لا حظت صديقتها سلمى شرودها ..  فاقتربت منها وسألتها

سلمى : مالك يا دنيا  .. شكلك مش مظبوط النهارده  .. سرحانة فى ايه ؟؟ 
دنيا : مش عارفة مخنوقة .. بقالى فترة بحلم حلم غريب ونفسى أعرف معناه
سلمى : خير ان شاء الله .. حلم ايه ؟؟
 دنيا : هحكيلك
 وبدأت دنيا تحكى لصديقتها الحلم الذى يطاردها
وأنهت حديثها  قائلة : نفسى أشوف وش الشخص اللى بيزقنى ده .. وليه مكنتش بسمعك وانتى بتتكلمى
سلمى : ان شاء الله خير .. انتى تلاقيكى  بس عايزة تغيرى جو
ايه رأيك نطلع الرحلة اللى عاملاها الشركة   لمرسى مطروح ؟؟
دنيا : لأ أنا  ماليش فى الرحلات والناس والدوشة
سلمى : اسمعى بس

وافقت دنيا أن تذهب الى الرحلة بعد الحاح صديقتها سلمى .. فهى تحب سلمى كثيرا .. دائما كانت بجانبها بكل ظروفها الصعبة وهى الشخص الوحيد الذى تثق به وتطمئن معه فى حياة والدها وبعد وفاته
وسلمى أيضا تحبها كثيرا .. على الرغم من شخصية دنيا المهزوزة القلقة وطبيعتها الشكاكة
فهما أصدقاء من الطفولة .. دائما كانوا معا .. على الرغم من اختلافهم المستمر بسبب هوس دنيا بعالم الأبراج وقراءة الفنجان ...... ومحاولة سلمى اقناعها أن كل هذه خرافات وقصص خيالية قد تصدق وغالبا تخيب وأن الغيب وحده بيد الله
ولكن دنيا لا تقتنع و سلمى  تتحمل طبيعتها المنغلقة وتتفهم خوفها وانطوائيتها وتتحمل وساوسها وتحاول أن تكون بجانبها دائما لتطمئنها وتشعرها بالأمان

وبعد أيام قليلة ذهبوا الى مرسى مطروح وكعادة دنيا انعزلت عن الجميع وذهبت لتتمشى على الشاطىء وهى مازلت شاردة تفكر فى الحلم والعدو المجهول

أفاقت من شرودها وأفكارها المزعجة على صوت ذو رنة تعرفها وتسمعها دائما فى الأفلام
التفت وبحثت بعينيها عن مصدر الصوت لتجد عرافة من العرافات الذين يدعون معرفتهم بالغيب
كان شكلها تقريبا مثل الأفلام  .. غجرية  ترتدى جلبابا اسود اللون  .. فوق رأسها طرحة تظهر خصلات شعرها المصبوغ باللون الأحمر وجهها ممتلىء بالتجاعيد الخفيفة  ولكن ملامحها جميلة
و عينها مملوءة بالكحل الأسود مما يجعلها تبدو مرعبة .. وتمسك منديل كبير مضموم بيديها المرسومة بالحناء وتتغنى بالجملة الشهيرة المحفوظة
( أبين زين أبين ... اضرب الودع... و أشوف البخت...أبين.... )

وعندما رأت الغجرية نور تنظر نحوها .. اتجهت لها مبتسمة وهى تقول :
 تشوفي بختك .....؟؟؟

وعندما رأت سلمى من بعيد  تلك الغجرية تقترب من دنيا هرولت باتجاهم  لأنها تعلم أن صديقتها ليست من النوع الذى يثرثر مع الغرباء وترتعب اذا اقترب منها أحد .. ولكنها عندما وصلت اليهم رأت دنيا تتحدث مع الغجرية وتهم بالجلوس معها فقالت لها :

يابنتى ارحمى نفسك كمان ضاربة الودع .. مش كفاية الأبراج وقراءة الفنجان ..  بلاش جهل .. ده انتى متعلمة والمفروض متصدقيش الخرافات دية

دنيا : وفيها ايه خلينى أجرب  .. يمكن أعرف منها مين  اللى بيزقنى من فوق الجبل ده

وأصرت دنيا أن تجرب مهما قالت لها سلمى لتثنيها عن المضى فى تلك الخرافات
فوافقتها سلمى على مضض وهى تعلم أن الأبراج والكف والفنجان والعرافة كلها  أمور منبثقة من عالم التنجيم والتكهن بالغيبيات التى لا يعلمها الا الله
                                                                                                                  
جلست الغجرية على الرمل وجلست الفتاتان أمامها  و في المنتصف بينهما فردت الغجرية المنديل ووزعت الرمال المجمعة به على مساحته و التفتت لدنيا قائلة :
 أرمى بياضك يتحقق مرادك
ضحكت سلمى بسخرية وهى مشفقة على صديقتها التى تصدق هذه الجمل المحفوظة من الأفلام
دسست دنيا يدها فى حقيبتها ووضعت بعض النقود فى يد العرافة

أخذتهم الغجرية و اختارت واحدة من الودع و أعطتها لدنيا قائلة:
 وشوشي الودع و قولي له سرك

ابتسمت سلمى مرة أخرى وهمست لها قائلة بسخرية :
دلوقتى تقولك عندك فرحة بعد نقطتين  ساعتان ، يومان ، أسبوعان ، ربما شهران ، قلت أو سنتان

لم تهتم دنيا لسخرية صديقتها وأخذت الودع التى أعطتها اليها الغجرية وقربته من فمها ثم أعادتها الى الغجرية التى أعادتها الى المنديل مع باقى الودع ثم بدأت تحركهم وتنثرهم وهى تتمتم بكلمات غير مفهومة

وفجأة تغيرت ملامح الغجرية وقالت بتردد :
يا ساتر يارب .. طالعك سىء يا بنتى
خدى بالك .. فى  شخص بيراقبك و ناويلك الشر

ارتجفت دنيا وتصببت عرقا وسألتها بلهفة :
ومين هو ؟
قالت الغجرية  :
خيوط حياتك متقاطعة ومعقدة ومش باين وشه

انصرفت الغجرية وبدأ الخوف والقلق يزداد بداخل دنيا 
قالت لها سلمى بثقة وهى تطمئنها :
على فكرة الست دية نصابة ..  هي أكيد سمعتنا واحنا بنتكلم على الحلم والشخص اللى بيزقك من فوق الجبل .. ولو كانت صادقة وبتعرف فى الغيب صح .. كانت قدرت تقولك مين هو

ولكن دنيا لم تسمع حرف مما قالته سلمى ..  تسمرت فى مكانها كأنها فقدت القدرة على الحركة وعلى النطق
وكلمات الغجرية تتردد فى عقلها وكل كيانها فتمزقها وتبعثرها وتجعل الألم لا يحتمل
ظلت دنيا طوال الرحلة.. مضطربة قلقة شاردة ومهما فعلت معها سلمى لتخرجها من الخوف المسيطر عليها .. لا تستجيب لكلماتها المطمئنة

وعادوا من الرحلة وعادت دنيا مرة أخرى الى حياتها المظلمة الباردة
ومازالت تلك الأفكار السوداء تعبث برأسها ومازال هذا الكابوس المزعج يطاردها كل ليلة
حتى جاء هذا اليوم الذى سيكشف الستار عن هذا العدو المجهول

فى الصباح كالعادة ذهبت سلمى الى العمل .. ولكنها لم تجد دنيا فى مكتبها .. ظنت أن زحمة الطريق أخرتها وبعد قليل ستأتى .. فات الكثير من الوقت و دنيا لم تأتى .. فاتصلت بها سلمى  على هاتفها ولكن دنيا لم تجب  فاتصلت على هاتف المنزل وأيضا رنين ولا يجب أحد

ازداد قلق سلمى ..  شعرت بانقباض فى قلبها قلبها عندما تذكرت كلمات تلك العرافة الغجرية
 وهاجمتها الأفكار المخيفة ولكنها نفضت عنها مخاوفها ورددت بقلق اللهم أجعله خير
وعندما انتهى وقت العمل .. ذهبت مسرعة الى بيت دنيا .. رنت الجرس وبعد فترة طويلة كادت أن تفقد فيها سلمى الأمل وتنصرف
فتحت دنيا الباب ..
كانت شاحبة اللون .. تتصب عرقا .. يبدو عليها التعب الشديد .. تقف بصعوبة  مستندة على الباب
فأمسكت  سلمى بيدها  وساعدتها على الوقوف وأوصلتها لغرفتها
وسألتها بخوف وقلق بعد أن إستقرت في الفراش

سلمى : مالك يا دنيا ؟ حاسه بايه ؟
دنيا : حاسه ان بطنى وجنبى بيتقطعوا من الوجع
تحسست سلمى جبهة دنيا فوجدت حرارتها مرتفعة
انتفضت سلمى فزعا وقالت منفعلة من الخوف :
يا خبر .. حرارتك عالية  .. يالا بسرعة نروح المستشفى
دنيا بصوت ضعيف :
لأ مش هينفع أخرج
سألتها سلمى مندهشة :
ليه ؟؟ !!
برجى  النهاردة بيقول ( احذر ستتعرض الى حادث )
صرخت سلمى منفعلة ومندهشة :
ايه !!!!!!!!!!!  برجك بيقول !! يابنتى ارحمينى وارحمى نفسك و طلعى الوساوس و التخاريف دية من دماغك بقى
دنيا :
انتى نسيتى ان بابا مات فى حادث مرور
وبعدين دية مش تخاريف .. ده علم  .. وبعدين أنا كويسة ..  تلاقينى بس  خدت شوية برد فى بطنى من الرحلة ولما أستريح هخف

أصرت دنيا أن تتحمل الألم حتى نهاية هذا اليوم مهما قالت لها سلمى حتى تقنعها بالذهاب الى المستشفى
فقالت لها سلمى مستسلمة :
طول عمرك عنيدة ودماعك ناشفة
والتخاريف دية سممتلك عقلك وحياتك كلها وهتموتك من الخوف والرعب

لم تستطع سلمى  أن تتركها وحدها وهى بهذه الحالة  .. فاتصلت بوالدتها وأخبرتها أنها ستنام مع صديقتها دنيا الليلة  وحاولت أن تخفف حراراتها بالكمادات الباردة  

كانت حرارة دنيا تزيد مع الاقياء المستمر ومع أنها كانت تتألم بشدة أصرت أن تتحامل على نفسها حتى ينتهى اليوم وتدق الساعة 12  
وبمجرد أن دقت الساعة 12  سمحت  لصديقتها سلمى  أن تأخذها فى تاكسى وذهبت بها الى أقرب مستشفى .. كانت حالتها سيئة جدا ..  ازداد بها الوهن حتى أصبحت لا تقوى على الوقوف ولا حتى على الصراخ  وبمجرد أن وصلوا الى المستشفى فقدت وعيها ودخلت فى غيبوبة

وقفت سلمى تراقب الطبيب عن كثب وهو يفحص صديقتها ودموعها تنسال على خديها بلا توقف
وهى تردد بخوف وقلق :
أنا السبب .. مكانشى المفروض أسمع كلامها وأسيبها .. كان المفروض أخدها بالعافية للمستشفى

تسارعت نبضات قلبها عندما اتى الطبيب والحزن والأسى يرتسموا على ملامح وجهه  ...
وبعد تردد قال لها بنبرة حزينة :
أنا أسف جيتوا متأخرين..  مقدرتش أعملها حاجة .. البقاء لله

لقد  شخص الطبيب  حالة دنيا  بزائدة دودية ملتهبة جدا فى المرحلة الثانية و للأسف لم يستطع أن يفعل شىء
لأن الزائدة الدودية انفجرت وانتشرت الميكروبات فى جسدها ثم انتقلت الى الدم وحدث تسمم عام أدى الى غيبوبة ثم الوفاة  

وقفت سلمى مذهولة لا تصدق ما سمعته .. تحدق فى الطبيب بنظرة رجاء كأنها تنتظر أن يخبرها أنه أخطأ وأن صديقتها ما زالت على قيد الحياة
ثم اقتربت بكيانها المنتفض وأنفاسها المرتجفة ونبضاتها المضطربة من جثمان صديقتها الملقى على الطاولة تحسست وجهها بيديها المرتعشة وحدقت به بنظرات زائغة ولسان حالها يقول :

قلتلك ان الوساوس والخرافات دية هتموتك .. ليه مسمعتيش كلامى ؟؟
كنتى عايزة تعرفى مين هو العدو المجهول .. عرفتى دلوقتى مين هو ؟؟
بقيتى عاملة زى العصفور الجبان اللى سجن نفسه بارادته فى قفصه علشان يهرب من المجهول لحد ما مات

اغرورقت عينى سلمى بالدموع التى انسابت على وجهها وحاولت أن  تصرخ.. لم تستطع وسقت مغشيا عليها





قارئة الفنجان ( نزار قبانى )
جلست و الخوف بعينيها
تتأمل فنجاني المقلوب
قالت يا ولدي لا تحزن فالحب عليك هو المكتوب
الحب عليك هو المكتوب.. يا ولدي
بصرت ونجمت كثيرآ
لكني... لم أقرا أبدا
فنجانا يشبه فنجانك
بصرت ونجمت كثيرا
لكني لم أعرف ابدا
أحزانا تشبه أحزانك 
 *******
مقدورك ان تمضي أبدا
فى بحر الحب بغير قلوع
و تكون حياتك طول العمر
طول العمر كتاب دموع
مقدورك ان تبقى مسجونا
بين الماء وبين النار
فبرغم جميع حرائقه
و برغم جميع سوابقه
و برغم الحزن الساكن فينا ليل.. نهار
و برغم الريح
وبرغم الجو الماطر والاعصار
الحب سيبقى يا ولدى
أحلى الاقدار.. أحلى الاقدار *******
بحياتك يا ولدي امراة
عيناها سبحان المعبود 
فمها مرسوم كالعنقود
ضحكتها انغام و ورود
و الشعر الغجري المجنون
يسافر في كل الدنيا
قد تغدو امرأة يا ولدي
يهواها القلب هي الدنيا
لكن سماءك ممطرة
و طريقك مسدود.. مسدود
فحبيبة قلبك ياولدي
نائمة فى قصر مرصود
من يدنو من سور حديقتها
من حاول فك ضفائرها
يا ولدي مفقود.. مفقود.. مفقود
*******
ستفتش عنها يا ولدي
يا ولدي فى كل.. مكان
و ستسأل عنها موج البحر
و تسأل فيروز الشطان
و تجوب بحارآ وبحارآ
و تفيض دموعك انهارا
و سيكبر حزنك حتى يصبح اشجارا
وسترجع يوما يا ولدي
مهزوما مكسور الوجدان
و ستعرف بعد رحيل العمر
بانك كنت تطارد خيط دخان
بأنك كنت تطارد خيط دخان
فحبيبة قلبك ليس لها
أرض أو وطن أو عنوان
ما اصعب أن تهوى امرأة يا ولدي
ليس لها عنوان
ليس لها عنوان

*******

عندما تتغير ظروف الحياة وتزداد صعوبة .. عندما تزيد المخاطر والمشاكل فى حياة الانسان .. عندما تضعف قدرة الانسان على ادارة وتنظيم حياته  .. يبحث عن شىء ليسد نقصه وعجزه فى مواجهة مشاكله الحياتية ومخاطرها
أحيانا يلجأ الى الخرافات والمعتقدات الخاطئة التى زادت وانتشرت ويصدقها دون التركيز فى غيبية أوصدق هذه الأمور..
 هو يعلم أن كل هذه الأمور قصص تنسج من الخيال قد تصدق وقد تخيب ولكن شعوره بالقلق والاضطراب والخوف والضعف والعجر عن المواجهة يدفعه للتصديق والتشبث بأى أمل يخفف عنه حتى وان كان خيال ووهم  

هناك 8 تعليقات:

  1. هي القصة حلوة أوي بس النهاية حزينة
    و أنا لا أؤمن بالحجات دي من يومي
    و على طول بضحك على كل واحد بجد بيصدق الفنجان و اضرب على الخشب و الحذاء المقلوب

    سلامي

    ردحذف
    الردود
    1. معلشى ايمى .. فى القصص دية بحب أختار النهايات الحزينة لأنها بتأثر فينا أكثر وبنتعلم منها

      شكرا لمتابعتك وتعليقك الجميل

      حذف
  2. مساء الغاردينيا
    قصة عميقة الفكر رغم حزنها علينا أن نؤمن بقضاء الله وقدره وألا نبحث عن أخبار المستقبل وحكايات الغيب بأسلوب الفنجان والعرافات والأبراج سبحان ربي من نعمه عليناأننا لا نعلم ماذا يخبئ لنا القدر"
    ؛؛
    ؛
    لروحك عبق الغاردينيا
    كانت هنا
    Reemaas

    ردحذف
    الردود
    1. مساء النور ريماس
      فرحانة جدا ان القصة عجبتك
      شكرا على تعليقك الجميل ومتابعتك لتدويناتى

      حذف
  3. يقولون أجمل القصص هي التي تنتهي بنهاية سعيدة..أما أعظمها فهي التي تنتهي بمأساة !!
    ...
    القصة جميلة جدا و تحمل الكثير من الافكار العميقة المتعلقة بالقضاء و القدر و مدى ارتباط الانسان بإيحاء أو فكرة يلقيها له أحد الاشخاص تتعلق بمصيره أو حياته أو ما سيحدث له ان فعل كذا أو ان لم يفعل ..الخ..
    ..استمتعت جدا بالقصة و احييكي على ابداعك فيها.و جهد مشكور جدا..تقبلي تحياتي و سامحيني على تقصيري في المتابعة لكنه رغما عني..تقبلي تحياتي.

    ردحذف
    الردود
    1. أستاذ أحمد حضرتك مش مقصر خالص
      بحب جدا تعليقاتك الجميلة .. فرحانة ان القصة عجبتك
      شكرا جداااااااا

      حذف
  4. هو المفروض يعني إن اغنية قارئة الفنجان .. نازله مع التتر يعني ولا إيه

    طبعاً أتفق معاكي في أخر كلمتين .. وتحليلك مظبوط جداً الإنسان بيحاول بالفعل يجد اي امل ... بس ده لأن ايمانه بالله ضعيف .

    القصة بتتناول طبعاً موضوع خطير جداً , مازالت قدرتك على جذب القارئ رائعة ... القصة غير مملة اطلاقاً بالعكس

    ردحذف
    الردود
    1. مش تتر بس عجبتنى قصيدة قارئة الفنجان و حبيت أغير بيها مود الاكتئاب اللى هيحصل بعد قراءة القصة
      فرحانة جدا انها عجبتك .. شكرا على زيارتك و قراءتك للقصة وتعليقك الجميل

      حذف