نموت أكثر من مرة ونحن على قيد الحياة ..
وكل موت ينزع من داخلنا شىء من الحياة .. ويترك لنا احساس بالضياع ينتهكنا من الداخل ببطء مميت ويأبى أن يتركنا دون أن ينتزع ما تبقى بداخلنا من حياة .. حتى بتنا نشعر باللاشىء .. لا دموع .. لا وجع .. لا حنين .. لا حب .. لا شوق .. لا أحلام .. لا انتماء .. لا شىء .. عدم .. سكون .......... بِتنا لا ندرى من نحن وما نريد و ما جدوى حياتنا ذاتها ........... والكثير من الأسئلة والأفكار تُدخلنا فى صراع مع العدمية و تملأنا بإختناق لا حد له وننتهى بأنه يجب علينا أن نغير مجرى حياتنا الخاوية .. أن نملأها بأهداف .. أحلام .. أى شىء يفرح قلوبنا وأرواحنا ويعيد لها الحياة .. ونظل نبحث عن أى شىء يدفعنا للاستمرار .. للبقاء .. ونبحث ونبحث و لا نجد .. وكأن كل شىء له صلاحية محددة وانتهت .. تبخر .. تلاشى .. وربما نحن من تلاشينا الى اللاشىء لكى لا نشعر بالخراب والعبث والانحطاط و الوضاعة حولنا ونجبر على السقوط فى هذا المستنقع عندما نضطر يوما ما أن نواجه الفساد بمثله وأكثر .. وعندما يستيقظ القبح بداخلنا .. و نتحول الى وحوش من فرط محاربة الوحوش
لذا ربما حاولنا الافلات من مسايرة الواقع المرير بأن ننفصل عن دوائر الحياة المفرغة .. ونستسلم بعمق لغزو اللاشىء
لــ عقولنا .. لــ قلوبنا .. لــ مشاعرنا .. لكل جزء تفصيلة بنا لازالت تحيا
اللاشىء لا محدود لا نهائى يطوقنا بطريقة مخيفة جدا .. ويشعرنا بأن كل شىء مباح متاح بطريقة مؤلمة جدا .. فــ يُحرض الكائن المحتضر بداخلنا على الهروب منه اليه.. لأنه الاحساس الوحيد الذى استطاع الاستمرار معنا حد الائتناس به و الالتصاق بنا حد الالتحام .. لا نجد طريقة للاختباء والخلاص منه سوى الركض اليه ليحتضننا أكثر .. ويفنينا للعدم أكثر .. لــ ننتهى الى طريق اللاعودة .. و نقترب من موتتنا الأخيرة الأبدية
ربما كان هذا الاستسلام هو أقصى قدرتنا على التحمل وعجزنا على المسايرة .. وربما كان أيضا قمة الارادة والقوة فى مواجهة القبح فينا وحولنا .. أن لا نواجه بقوة لا ولن نمتلكها .. أن نرفض كل شىء وأى شىء .. أن لا نتمسك بـ حياة أنضجتنا رغما عنا .. وعالم فاق الفساد والفبح فيه كل خيال .. أن ننتزع حقنا فى الرحيل والعيش فى عالم أفضل
فإن أردنا الخلاص كــ مطلب نفسى ملح .. هل تُلبى أعضائنا حاجتنا الملحة .. وتفعل مثلنا .. تستجدي السبات الطويل وتشتهيه حد استحضاره ؟ أم انها أيضا ستخذلنا وتتخلى عنا؟