الخميس، 12 يوليو 2012

الوهم الكاذب


إتهمتك بالكذب و لم أنتبه أني أنا من كذبت على نفسي
إتهمتك بالجنون و لم أنتبه أني أنا من فتحت للجنون أبوابي
 إتهمتك بالقسوة و لم أنتبه أني أنا من قسوت على نفسي عندما أخضعتها لك..
                                                                                                 ( شيرين سامى )


بدلت ثوبها ثلاث مرات حتى الأن  ، كانت حائرة  ..  تريد أن تبدو رائعة جدا فى هذا اليوم .. لأنه ذكرى أجمل وأروع يوم فى حياتها

فى الصباح حاولت  بطريقة غير مباشرة أن تعرف ان كان زوجها يتذكر أن اليوم هو يوم زواجهم السادس أو لا
فسألته :
انت هتتأخر النهارده برده ؟
أه .. زى كل يوم .. ورايا قضايا وشغل كتير فى المكتب ..
 بتسألى ليه ؟
كنت بفكر لو نخرج نتمشى بالليل شوية علشان أنا زهقانة
أنا مش عارف هخلص بدرى ولا لأ .. وكمان مش عارف اذا كان عندى مواعيد شغل بره بالليل ولا لأ .. المواعيد كلها مع السكرتيرة .. لما أوصل المكتب وأعرفها  هبقى أتصل بيكى 
وأقلك اذا كان ينفع ولا لأ

ذهب لعمله وتركها شاردة الفكر
لم تصدق أنه نسى تاريخ تلك الذكرى الجميلة ..  ظنت أنه يحضر لها مفاجأة ككل عام
يقولوا أن الزوج هو الأكثر نسيانا لتذكر المناسبات الخاصة بأسرته سواء كان عيد زواجه أو عيد ميلاد
ولكن زوجها لم يكن من هؤلاء الأزواج ..
فدائما كان حريص على تذكر تواريخ الأيام المميزة فى حياتهم واحياء ذكراها والاحتفال بطريقة رومانسية ومميزة جدا
فرحت كثيرا عندما  اتصلوا بها صديقاتها وجميع أفراد أسرتها ليهنئوها ويتمنوا لها السعادة
وانتظرت كثيرا حتى انتصف النهار ولم يتصل زوجها
فاتصلت هى به .. وحاولت أن  تُلمح له أن اليوم يوم عيد زواجهم السادس .. ولكنه فاجأها بعصبيته وغضبه لأنها تشغله عن أعماله الكثيرة وأنهى معها الاتصال
فشعرت بالحزن العميق لعدم تذكره ذكرى يوم زواجهما  ولأنه لم يبذل مجهود فى أن يفهم تلميحاتها


ولكنها كعادتها سامحته وبررت له نسيانه بانشغاله فى العمل وبررت عصبيته بالضغوطات النفسية التى يشكلها عليه  عمله  الشاق
لذلك  قررت هذا العام أن تفاجئه هى وتُحضر للاحتفال بعيد زواجهم فى مكان لقائهم الأول .. المكان الذى شهد على قصة حبهم  .. لعله يعيد اشعال جذوة الحب التى بدأت فى الانطفاء
جلست تفكر وتتذكر أى لون كان  يحب زوجها أن يراها به .. فهى تريد أن تبدو رائعة الجمال  لأنها اشتاقت أن ترى نظرات الاعجاب وبريق حبه لها  فى عينيه

فتذكرت أنها قرأت عن ألوان الزهور ومعانيها

 
اللون الأحمر فى الزهور .. يعنى الحب الدافىء العميق
واللون الأصفر ..  المحب الغيور على من يحب
اللون الأبيض .. الصدق والصفاء فى الحب

تمتمت بنبرة حالمة
( ما أجمل أن تكون المرأة فى حياة حبيبها  كبذور الورود وهو كقطرات الندى التى تُرويها بالحب والحنان فتنمو وتتفتح ورود جميلة تحتويه بأوراقها الناعمة الرقيقة التى يفوح منها عطر الحب وتُرفرف فوقها فراشات المودة والرحمة فتصبح حياتهم جنة من السعادة )

وفى النهاية بعد أن انقضى النهار و ضاع الكثير من الوقت فى تبديل الفساتين
قررت أن ترتدى  ثوبها الأبيض ذو الأزهار الحمراء لتظهر  حبها  الصادق الدافىء العميق له

وبعد أن انتهت اكتشفت أن الليل أسدل ستائره  دون أن تشعر  فذهبت مسرعة الى مكتب زوجها قبل أن ينشغل بأعماله الخارجية ..   وكانت طوال الطريق  تتخيل سعادته عندما تفاجئه بحفلة عيد زواجهم

وصلت الى مكتبه .. وعندما دخلت لم تجد أى شخص .. والسكرتيرة أيضا ليست على مكتبها  .. فسعدت بذلك سعادة كبرى .. واطمأنت أنه انتهى من عمله وتستطيع أن تقترح عليه أن يصطحبها فى  نزهة ليستمتعوا بهواء الليل المنعش ثم تأخذه الى مكان الاحتفال

اقتربت من باب غرفته وفتحته ولكنها لم تجده أيضا على مكتبه .. تعجبت للأمر وارتسمت علامات الخيبة على وجهها   .. وانتوت أن تجلس تنتظر فى المكتب حتى يأتى  ولكنها سمعت همساً يأتى من الغرفة الداخلية المخصصة  للاجتماعات  فتعجبت للأمر .. اقتربت من الباب بهدوء دون أن تصدر أى صوت أمسكت بالمقبض  و حركته ببطئ كي لا تصدر ضجة .. وفتحت جزء صغير من الباب يتيح لها رؤية ما يحدث بالداخل بوضوح


وكانت الصدمة الكبرى ..
اتسعت حدقتاها دهشة
وارتجف قلبها بشدة  من هول ما رأته ..  زوجها يخونها مع السكرتيرة فى ذكرى يوم زواجهم
الصدمة ألجمت لسانها .. لم تنطق بحرف .. لم تصرخ ولم تصدر أى صوت .. شعرت أن خنجر من الخيانة يخترق ويمزق قلبها وأن مشاعرها الصادقة المحلقة فى عالم الأحلام الوردية سقطت قتيلة فى هاوية من الحسرة والألم 
حاولت  ان تكذب عينيها .. تمتمت بداخلها  .. لا.. بالتأكيد هذا حلم.. كابوس.. و سأستيقظ منه
وقفت مذهولة .. تحجرت الدموع فى مقلتيها وهى تنظر الي زوجها  وهو يهمس لعشيقته بنفس النبرة الرقيقة التى أسرتها يوما ما .. دارت الدنيا بها عندما جسدت  خيانته أمام عينيها كل الشكوك والهواجس التى كانت لا تصدقها وأقنعت نفسها أنها أوهام اختلقتها الغيرة
لم ينتبه زوجها لوجودها  .. أسكرته لذة خيانته القذرة ولم يشعر بشى حوله .. لم يشعر أن زوجته ترى كل تفاصيل خيانته لها

شعرت بأن نفسها يضيق وروحها تُسحب .. لم تعد تتحمل أن ترى تفاصيل مشهد خيانته لها أكثر من ذلك
فجرجرت قدمها بخطوات بطيئة متثاقلة  لتتنفس هواء نقى قبل أن تفقد وعيها ..
لم تعرف كيف مرت عليها الثوانى والدقائق فى المسافة من المكتب الى المنزل ..  ولا كيف ولا متى وصلت الى المنزل
فبعد أن رأت خيانته لها .. سارت فى طريقها شاردة الفكر .. ذاهلة العقل  وعندما وصلت الى منزلها تهاوت خائرة القوى على مقعدها .. وجلست كالتمثال .. متجمدة واجمه  .. وعيناها  متسمرة  على الأرض   .. ترمقها  بينما لا تراها .. كانت ترى مشهد الخيانة الذى يعاد بكل تفاصيله أمام عينيها فيمزق قلبها ويجعل دموعها تسيل أنهارا فى صمت مؤلم
وظلت هكذا واجمة ساعات لا تعرف عددها .. ساعات غابت فيهم فى غفوة رأت كل حياتها كمزيج من الأحلام والكوابيس ..


لا تدرى كم من عمرها أضاعته وهى تركض باحثة عن الحب .. وعندما وجدته تمسكت به وبذلت الكثير حتى تحافظ عليه
كانت كالأم فى حنانها .. تبذل الكثير من نفسها وتعطى بلاحدود دون مقابل .. تقدم التنازلات تلو التنازلات لتدخل الفرحة والسرور على من تحب فتحول حياته الى جنة من السعادة
هكذا كانت ترى دورها كحبيبة أن تعطى وتبذل قصارى جهدها لاسعاد نصفها الثانى وشريك حياتها

لم تكن تتحمل فراقه  والبعد عنه .. فدائما  كانت تهرع للاعتذار له اذا حدثت بينهما مشاجرة حتى لو لم تكن مخطئة
حتى اعتاد على أن يغضب ويصرخ .. يهين ويسب فتتهاون وتتنازل و تختلق له الأعذار حتى تسامحه على أخطائه وقسواته المتكررة

جرحها وخانها العديد من المرات وتظاهرت أنها لا تعرف ..
أوقات كثيرة كانت تراه بعينها يجلس في مقهى يمسك بيد امرأة أخرى غيرها
ولكن رغبتها فى تكذيب ما رأته جعلها تكذب عينيها وتقنع نفسها بأنها خيالات وأوهام خلقتها غيرتها وحبها الشديد له
وعندما كان من حولها يهمسوا لها بسر تغيره . . ويخبروها بخيانته لها ..كانت تكذبهم وتقنع نفسها أنها شائعات هدفها التفريق بينهم .. فتصم أذناها وتتظاهر أنها لم تسمع شيئا .. وتقول عنه  الكثير من الكلمات الشاعرية  وتتباهى بحبه لها

وعندما تنتابها الهواجس والشكوك
ويجعلوها تتسائل
لِمَ أصبح متناقض وغريب ..  يتشاجر معها لأتفه الأسباب و يفتعل عشرات الأسباب للخلاف والخصام حتى يبعد ويترك المنزل ؟؟
 كانت أيضا تكذب احساسها  وتتهرب من التفكير والمواجهة والتساؤلات  .. فتصم أذناها .. وتسكت لسانها .. وتكذب عينها 
وتقول لنفسها
مالذى ينقصنى حتى يحب غيرى ؟؟
لن يجد امرأة تحبه مثلى
ولن يهدم بيتنا وعشنا الجميل فى لحظة طيش عابرة ومن أجل متعة زائلة 

دائما كانت  تكذب أى شىء يهدد علاقتها به .. ولا تصدق أحد الا  هو  ..   لا تصدق الا أكاذيبه التى تُريحها وتطمئنها أنه ما يزال يحبها ولن يبعد عنها يوما

رضيت بكل شىء حتى بدأت تدريجيا تفقد حس الكبرياء  بداخلها
أصبحت انسانه مزيفة تخدع نفسها طوال الوقت
كانت تظن أن فراقه شىء فوق طاقة احتمالها ..
فتحملت اهانتها وانكسارها واهدار مشاعرها الصادقة .. وأوهمت نفسها أنها  لا تستطيع الابتعاد عنه أو الحياة بدونه ..  وأن فراقه والموت شىء واحد بالنسبة لها
صنعت لنفسها وهم وأجبرتها على تصديقه .. وهم شل ارادتها وجعلها تستسلم للذل والهوان
وهم لم يكن بالقوة القاهرة الذى كانت تتخيله بها ولكنها جعلته يتحكم بها

فاشتركت معه فى خداع نفسها ..
عندما ارتضت لها  أن تتجرع مرارة احساس الخيانة والمذلة طوال العمر .. عندما أجبرتها أن تصدق الكثير من الأكاذيب التى لا يصدقها عقل .. وأن تتنفس هواء ملوث بالخيانة
 لم تتركها تغتسل هى وروحها من زيفه وكذبه وتتخلص من ضعفها وخوفها وتنبذه من حياتها وعالمها
حتى أصبحت فى النهاية انسانة محطمة أسيرة لوهم كاذب صنعته بنفسها







نلجأ أحيانا الى الكذب على أنفسنا وخداعها هروبا من الوصول الى الواقع الذى نوهم أنفسنا أننا لن نستطيع تحمل مرارته وقسوته .. فنعيش حياتنا كلها أسرى لذلك الوهم الكاذب .. ونترك صداه يتردد بداخلنا فيحطمنا ببطء مميت
ويجعلنا نخسر أنفسنا و الكثير من حياتنا وأحلامنا ومشاعرنا

هناك 10 تعليقات:

  1. مشكلة نسيان التواريخ دي أزمة كبير فعلا عند الرجالة D:
    وبعدين يعني مالقاش غير عيد جوازهم يخونها فيه.. انتي عارفة لو خانها يوم التلات .. كان أهون من كدة
    D:

    بجد بقى.. القصة عجبتني من أولها لآخرها بس أكتر ماعجبني فيها هو الوصف من أول لحظة الخيانة لحد الآخر .. أبدعتي في الجزء ده يا ميرو

    تسلم إيدك

    ودايما بالتوفيق

    ردحذف
    الردود
    1. وأنا كمان عندى الزهايمر وبنسى كتير بس بحاول أكتب تواريخ أعياد الميلاد على التليفون علشان يفكرنى ومحدش يزعل منى

      هو كان بيخونها من زمان بس حظها المنيل انها كشفته فى يوم عيد جوازهم أو كشفت نفسها وواجهتها

      شكرا يا ضياء على متابعتك وكلماتك المشجعة ووجودك اللى بيفرحنى دايما

      حذف
  2. مساء الغاردينيا ميرو
    كثيراً ماتخفي الأنثى ألمها ووجعها وتسامح أكثر من مرة
    تدعي أنها لاترى وهي تبكي
    وتدعي أنه لم يخون وهي تتألم
    فقط لأنها لازالت وفية لذلك الحب مخلصة لذلك الإرتباط "
    ؛؛
    ؛
    أبدعتِ ياميرو
    ونسجتي تفاصيل رائعة وإن كانت مؤلمة
    لروحك عبق الغاردينيا
    كانت هنا
    reemaas

    ردحذف
    الردود
    1. مساء النور يا قمر
      تعليقك الجميل وضح الفكرة أكتر
      بجد شكرا لكلماتك ووجودك

      حذف
  3. مروه مساءك سكر
    أولاً أشكرك على المقدمه :)

    القصة شدتني جداً برغم إنها معروفة
    لكن قصص الخيانه دائماً تختلف في تفاصيلها
    و إنتِ صغتيها بشكل رائع و بإحساس أنثى تجيد الشعور
    للأسف معظم الناس بيكذبوا على نفسهم
    و بيوهموا نفسهم
    عشان فاكرين الحقيقه بتموت
    لكن الحقيقة مبتموتش
    الكذب هو اللي بيموت

    سعدت بوجودي هنا

    دمتي بألف خير

    ردحذف
    الردود
    1. مساء النور شيرين
      شكرا ليكى انتى على كلماتك الجميلة اللى حبتها جدا لأنها بتعبر عننا وبتمسنا من جوه أوى .. فرحانة جدا بزيارتك وبكلماتك الجميلة
      دايما رائعة يا شيرين

      حذف
  4. فى ناس كتير بيرضوا انهم يعيشوا بالكدب والوهم
    لمجرد انهم مش قادرين يتحملوا قسوه الحقيقه
    لكن فى النهايه الحقيقه دايماً اللى بتغلب وبتظهر مهما اختفت سنين طويله

    اسلوبك رائع

    ردحذف
    الردود
    1. دينا الجميلة تعليقاتك دايما بتشرح وتوضح الفكرة جدا
      والله نفسى أتعلم انى أعرف أعبر كده
      حبيبتى دايما منورة
      شكرا لوجودك ومتابعتك وكلماتك الجميلة

      حذف
  5. أحيانا نشارك في الخيانة بتغاضينا أو بإنكارنا لها، الانثى جبل من المنتناقضات، فهي دوما تطلب من زوجها الصدق و لكنها أحيانا تتمنى ان يكذب عليها و يخدعها لأن هذا في نظرها أهون كثيرا من الحقيقة رغم انه لن يغير من الواقع شئ..ربما الاثثى تظن أن تسامحها ان لم يُحيي حب الرجل قد يُحيي ضميره و يرجعه اليها و لكن الرجل عادة يستمر في جحوده و خيانته طالما لم يلُمه أو يكشف أمره أحد..على عكس المرأة ان خانت قد تكره خيانتها و تصلح من نفسها...
    ..
    دايما يا مروة متميزة في اسلوبك و تحليلك للشخصيات و هو ما يجعل من مواضيع قصصك لم تُقرأ من قبل حتى وان ظننا اننا قد قرأنا ما يشبهها..دامت روعة قلمك..تحياتي

    ردحذف
    الردود
    1. دايما بتنور تدويناتى بتعليقاتك الجميلة

      شكرا لمتابعتك وتشجعيك الدائم

      حذف