الجمعة، 29 يونيو 2012

الحيلة الشيطانية ( الجزء الثالث )


                                           الفراشة والأحلام الوردية

 أسدلت رهف الستائر الداكنة على عالمها المفضل  .. وضاعت نفسها وسط أوراق حلمها الممزق .. وهربت الى عالم أخر .. عالم لم تكن تريده .. كانت تقاومه ولكنها استسلمت له

عالم الانترنت والفيسبوك .. سمعت عنه من بعض صديقاتها .. فهم يلجأون اليه للتخلص من الفراغ الذى يملأ حياتهم  .. لم تتخيل يوما أنها ستفعل مثلهم و لكن الفراغ القاتل الذى تركته خلفها صديقتها المريحة جعلها تلجأ اليه

فبدأت تبحر فى عالم الانترنت الساحر بما فيه من منتديات وماسنجر وفيسبوك وجروبات وشات ..
 كانت حديثة العهد بالانترنت وما ان خطت داخل هذا العالم الواسع
حتى تحولت الى فتاة أخرى غير تلك الفتاة الصامتة المحبة للعزلة .. أصبحت فتاة مرحة مقبلة على الحياة .. تلقى النكات وتملأ المكان الذى تتواجد فيه حركة وضجيجا
اختارت اسم الفراشة كاسم مستعار ..
وكانت حقا مثل الفراشة  .. تحلق بخفة الفراشات من  شات الى مسنجر الى جروب ..  وكونت العديد من الصداقات الالكترونية
ولكنها كانت واضحة منذ البداية .. وضعت قواعد وحدود لتلك العلاقات ..  صداقة فقط ليس أكثر من ذلك .. لا مجال لكلمات الاعجاب والغزل  أو الغرام أو المكالمات أو المقابلات
كانت تؤمن أن أجمل ما فى الحياة أن يحب الانسان ويكون محبوبا ودائما كانت تسمع  صديقاتها يتحدثون عن العشق وكم هو رائع
ولكنها لم تجرب شعور الحب من قبل ..
 لم يخفق قلبها بالحب لأحد .. لم تشعر يوما معنى أن تكون غارق فى حب أحدهم  وأن تكتسحك مشاعر الشوق المزلزلة
وكم تمنت أن تعيش قصة حب كالتى تقرأها فى الروايات أو تشاهدها فى الأفلام ..
ولكنها لا تقتنع أن الحب الصادق  ستجده عن طريق الشبكة العنكبوتية التى لا تثق بها .. أو من خلف شاشة
تخفى المئات من الأقنعة أو بواسطة مجموعة من الأزرار تستخدم  لكتابة كلمات معسولة ووعود كاذبة  وأوهام خادعة
وبالنسبة لها القصة مكررة .. الشخصيات تختلف والأحداث تتشابه والنهاية معروفة وتتشابه ولكنها تتفاوت فى حدة الألم الذى يعود على أبطال القصة  
ولذلك هى لا  تريد أن تكون الفتاة التى تقع برغبتها فى مصيدة اسمها الحب الزائف من أجل أن تعيش لحظات سعادة مسروقة و مشاعر كاذبة ومتعة مؤقته  تزول بتساقط الأقنعة  ثم تصل الى النهاية المدمرة .. فمشاعرها عندها أغلى بكثير من أن تستهلكها لتشعر بتلك اللحظات الزائفة  .. ليست رخيصة لتلقى بها فى تلك المصيدة

ومرت الأيام ورهف تزداد تعلق بذلك العالم الساحر المبهر على الرغم أنها لا تزال لا تثق به
ولكنه جعلها تشعر بكينونتها الهامة وزادت ثقتها فى نفسها.. فالجميع  يتمنى الحديث معها .. فهى كسبت حب واحترام الجميع بخلقها وتفكيرها وشخصيتها النادرة ..  ودائما كانوا يمتدحوا كلماتها الجميلة وأسلوبها البسيط الرقيق الذى يمس أعماق القلوب
ولكنها
مازالت تعانى من الفراغ المدمر  ..  الفراغ العاطفى .. تشعر بجفاف عاطفى بحاجة أن يرتوى بالحب والاهتمام والحنان
وبداخلها الكثير من المشاعر والشحنات العاطفية تنطلق شاردة مع خيالها فترسم مدينة من الأحلام الوردية .. أحلام الحب
تنتظر تلك المشاعر الدافئة الصادقة .. تنتظر الحب الذى يأتى اليها فيقتحمها ويفرض نفسه عليها ويجعلها تعشق بكل ما فيها

وشعرت رهف بالارتواء عندما تعرفت عليها فى احدى الجروبات
 اسمه أحمد .. شاب مرح .. طموح .. يتفنن فى جلب الفكاهة لكل من يتحدث معه
استطاع أن يقتحمها منذ اللحظة الأولى جذبها اليه برقة أسلوبه وعذب حديثه .. باحترامه لحلمها الذى مازال يتردد بداخلها والذى اعتادت أذناها السخرية منه من جميع من حولها .. ولكنه لم يكن مثلهم .. لم يقلل من  أحلامها البسيطة حتى لو كان تافهة ..  قدر موهبتها التى كانت جزء من كيانها كانسانة .. و أحب كتاباتها وأبدى اعجابه بها وشجعها على نشرها .. فأعاد لها الثقة التى فقدتها

وكانت أمامه كالكتاب المفتوح .. لمس رومانسيتها ورقتها فاستطاع أن يحتويها  ويشعرها بالحب والدفء والحنان الذى تحتاجه وتفتقده ولم تجده من والديها  

ومرت الأيام والأحاديث بينهم تزداد ومعها يزداد الاحساس بالراحة والانجذاب .. لقد استطاع أحمد أن يخرجها من قوقعتها ومن عزلتها بتفهمها لها  .. أن ينتزعها من الحزن والكأبة التى تحيط بها بكلماته المرحة .. أن يجردها من حرصها وتحفظها بجرأته
ففى البداية كانت العلاقة بينهم  مثل علاقاتها الالكترونية السابقة  .. تسير على الخط المستقيم الذى رسمته لنفسها وبخلقها وعقلانيتها واحترامها لنفسها تجبر من يتحدث معها أن يسير معها على نفس الخط .. أن تكون العلاقة فى حدود الصداقة فقط  ..
ولكن مع الوقت تعمقت الصداقة بينها وبين أحمد  أكثر وتحولت الى انجذاب واعجاب وتعلق .. فانحرفت عن الخط المستقيم  .. بدأت  تتقبل كلمات الاطراء والغزل .. لم تقابلها بالصد العنيف أو توقفه عند الحد الذى تريده كما كانت تفعل من قبل مع غيره  ..
أحبت جرأته واقتحامه لها .. وشعرت بالحب يطرق باب قلبها بعنف .. ومع  مرور الوقت وقعت فى مصيدة الحب  التى لم تكن تؤمن بها

لم تعرف كيف وقعت بها ..  وهى التى ظنت أنها محصنة .. وأنها تجيد التحكم فى مشاعرها ولا تستسلم لعاطفتها أبدا..  وبدأت تحدث نفسها
كيف تسمحى بذلك وأنتى لا تقتنعى ولا تؤمنى بمثل هذه المشاعر الزائفة .. ؟؟
كيف وأنتى تكرهى لنفسك أن تنحدر الى مستوى تلك العلاقات التى تقام باسم الحب ؟؟
أنسيتى تفكيرك ومبادئك .. التزامك وخلقك ؟؟
ألم تقولى أن احترامك لذاتك جعلكى لا تتصرفى تصرفات طائشة تنزل قيمتك فى نظر
 نفسك ؟؟
ألم تقولى أنكى لا تثقى بعلاقات الحب الالكترونية .. التى يصعب التأكد من صدقها .. والتمييز بين المشاعر الصادقة والمشاعر المفتعلة المزيفة ؟؟
كيف تخطىء وأنتى من كنتى تنصحى غيرك ألا يخطوا فى هذا الطريق المدمر ؟؟
كيف تقعى فى الفخ بارادتك  وأنتى تدركى وتعى النهاية المؤلمة والمدمرة له ؟؟

هكذا اتخذت رهف دور الجلاد وحدثت نفسها بقسوة حتى تحاول  السيطرة على تلك المشاعر الجامحة التى لم تشعر بها من قبل والعودة الى رهف العاقلة المتزنة .. 
ولكن فشلت محاولتها عندما قاطعها صوت خافت يقول بنبرة رجاء
لعل هذا فارس أحلامى الذى يستطيع أخذى الى حكايات الحب التى قرأت عنها .. لعله الحب الذى أنتظره
لقد غيرنى .. جعلنى أحب نفسى .. جعلنى أحب الحياة .. لم أعد تلك اليائسة الحزينة التى تراودها كثيرا فكرة الانتحار .. لقد وجدت من يفهمنى .. من يهتم بى .. يحتوينى بحنانه  .. ويشعرنى بأنه ملاذى الأمن 
فهو كالنسمة الرقيقة التى ظهرت فجأة  فى صحراء حياتى .. فأذابت رتابة واقعى ..  وملأت حياتى بأرق وأصدق المشاعر التى بأمس الحاجة اليها
أشعر أن الحياة بدأت تبتسم لى وأننى  وجدت حب حياتى الأبدى القدرى
كان هذا الصوت هو صوت العاشقة الحالمة التى كانت تطير من السعادة والفرح  لأنها وجدت الحب الذى تنتظره

وجاء دور الناصحة التى لا تريد أن تقسو على رهف وتتحامل عليها  .. فهى أدرى الناس برقتها ومشاعرها المرهفة الحبيسة المتعبة من العقل والاتزان .. فقالت لها بهدوء

تريدى الخروج من قوقعتك .. من شرنقتك الخانقة
تريدى أن تطلقى العنان لمشاعرك الحبيسة لتحلق وتحيا فى عالم الحب ..  .. أن تحيى كأنثى تحب وتجد من يبادلها الحب كما حلمت به .. أن تكونى بطلة لقصة حب كقصص الحب التى تقرأيها وتذوبى بين سطورها
ولكن
هل تسائلتى من قبل عن حقيقة ما تشعرى به ؟؟
هل هو حب أم تعود واحتياج ؟؟
أعلم أنكى تحتاجى اليه ليملأ حياتك و يذيب رتابة واقعك   ..  ليعيد البسمة فوق شفتيكى ويحتويكى بحنانه وتشعرى معه بتلك المشاعر الدافئة التى لم تجربيها من قبل
ولكن انتبهى ولا تنطلقى وراء عواطفك وخيالك الجامح حتى لا تتشوه أحلامك الوردية ويموت جنين الفرحة فى قلبك ..  فالقصة مكررة ولا أعتقد أنك تجهلين الخسائر التى عادت على أبطالها وتسعين برغبتك  أن تكونى واحدة منهم
الأن تستطيعى أن تتراجعى  بأقل الخسائر .. فكل يوم يقربك الى الندم أكثر
 أطيحى بهذه التجربة قبل أن تطيحك فالمسألة مسألة وقت ويعود كل شىء كما كان

أصيبت رهف بالوجوم وأحست بالاختناق
شعرت أن بداخلها حرب بين عقلها الذى يمثله أحيانا الجلاد وأحيانا أخرى الناصحة وبين قلبها الذى يمثله العاشقة الحالمة ..
فعقلها يلومها ويؤكد فشل التجربة ويطلب منها أن تعود الى اتزانها وعقلانيتها حتى لا تشعر بالندم .. وقلبها يشفق عليها ويحثها أن تعيش التجربه بكل ما فيها

فتشوشت أفكارها .. اختلط لديها الزيف بالحقيقة .. وأصبحت الرؤيا عندها ضبابية
  لم تجد  حولها أحد لتخبره بسرها لينصحها وتستعين به على حيرتها بين عقلها وقلبها
فدائما كانت تطوى مشاعرها المرهفة  وأحلامها فى الحب بين جدران غرفتها  حتى لا تصبح مادة للسخرية من صديقاتها وأهلها .. فهم يروا أن تلك المشاعر لم يعد لها مكان فى عالم الواقع .. توجد فقط فى قصص الحب وبين سطور الروايات
كم تمنت فى هذه اللحظة أن ترتمى فى أحضان أمها وتخبرها بكل شىء لتمنحها الحنان وتعينها وتحميها من نفسها ؟؟
 
أفاقت رهف من حيرتها  وأفكارها المشتتة  على صوت جهازها يخبرها بوصول رسالة
كانت منه .. يقول ( اشتقت لكِ ) ..
كان  يتربص بها بمنتهى البراعة .. عنيدا فى اقتحامه واختراقه .. لم يتركها لنفسها .. انتزعها من حيرتها وتشوش أفكارها  فاستسلمت لقلبها ..  للعاشقة الحالمة وأصبحت فى قبضته

العاشقة الحالمة ستتناسى الواقع بكل ما فيه ..
لن تبصر سوى حنان أمير أحلامها المتدفق وحبه الصادق لها .. فما أحوجها الى تلك المشاعر !!
لقد كانت وردة حزينة  أذبلها عطشها لحنان والديها  ولكنها عادت للحياة مرة أخرى  وارتوى ظمأها العاطفى ولن تحتمل العودة الى الجفاف مرة أخرى
فقررت أن تعيش اللحظة وتستمتع بتلك المشاعر ..
 قررت الخروج  من دائرتها الضيقة التى حبست نفسها بداخلها ..  وتجاهلت الاضطراب الكامن فى أعماقها  
لقد تعبت من الاتزان والعقل .. تعبت من حبس مشاعرها .. قررت أن تحررها .. أن تعيش التجربة كما يود قلبها
 فتعلقت به كالغريق الذى عثر على طوق النجاة أخيرا
وتركت له نفسها ليبنى لها فى الهواء قصورا ويدغدغ عواطفها بالكثير من مشاعر الحب والحنان التى تحتاج اليها  .. حتى تعلقت به أكثر وأصبح هو كل عالمها
أصبحت رهف تنتظر بشوق أن يسدل الليل ستائره حتى يغط الجميع فى سبات عميق ويسود الصمت  .. فتجلس  تترقب ظهوره متلهفة ..   تحصى الثوانى والدقائق الفاصله بينها وبين حبيبها
وعند رؤياه  لا تكاد تسعها الدنيا  من الفرحة .. فتحلق كالفراشة بخفة لتستقبل نسمات الحب والحنان   وتمضى معه الليل فى رحلة حالمة تشبع روحها وتسعد بالدقائق والثوانى التى تمضيها وهى غارقة فى أحلامها تتمنى أن يتوقف الزمن عندها فلا يغادرها أبدا  ثم تنام على وسادة من الأحلام الوردية وكلماته المعسولة ووعوده الكاذبة تتردد فى أذانها

ومرت الأيام والأسابيع .. وما تزال علاقتهم جميلة ومنضبطة المواعيد .. كل يوم تنتظره رهف أمام شاشة الكمبيوتر ليأخذها الى عالم الحب والأحلام  
 ولكن لن تصبح قصة حب رهف استثناء من القاعدة والنهاية المعروفة لتلك القصص كما تعتقد وتتمنى رهف 

يتبع ..........

الخميس، 28 يونيو 2012

الحيلة الشيطانية ( الجزء الثانى )


                                           بداية رحلة التمرد

رهف
فتاة فى الخامسة والعشرين من عمرها .. لها من اسمها نصيب .. فهى رقيقه صادقة المشاعر مرهفة الحس لأبعد الحدود
تنتمى لأسرة مكونة من أربعة أشخاص .. والداها ووالدتها و هى وشقيقها الأصغر 
ولكنها أسرة مفككة ..
فهما يعيشوا غرباء تحت سقف واحد
 والدها ووالدتها دائما ليس على وفاق .. فى شجار دائم
أحيانا الخلاف بينهم  لا يتجاوز سوى  الشكوى و الصوت العالى وتبادل الاتهامات
بأن تقول أمها أنها أضاعت سنوات عمرها مع انسان مجرد من المشاعر لم ترى معه يوما سعيدا ويرد عليها والدها بأنه ارتكب خطأ عندما تزوجها وأنه فقط يتحملها ويتحمل حياته معها من أجل أولادهم  وينتهى الأمر بمقاطعة بينهما
وأحيانا يصل الأمر أن أمها تنعت أباها بأبشع الألفاظ ويرد هو عليها بصفعات على وجهها وينتهى الأمر بطلب الطلاق وترك أمها المنزل لأيام أو أسابيع ثم تعود وتبدأ الخلافات مرة أخرى
وهكذا كان كثيرا ما يتشاجران محيلين حياتها هى  وشقيقها الأصغرالى جحيم لا يطاق

شقيقها يصغرها بسنوات قليلة ..  كان مولع بكرة القدم منذ صغره وكان حلمه أن يصبح لاعبا مشهورا .. لم يكترث أبواهما لهوايته أو تشجيعه .. لم يجد منهم الا الصراخ فى وجهه واتهامه بالاستهتار وتضييع مستقبله ووقته في امور غير ذات فائدة

ولكن شقيقها  لم يتأثر وتمسك بهوايته ..  اشترك فى نادى ليمارس هوايته ويقوى مهارته حتى يحقق حلمه و يصبح من أفضل لاعبي كرة القدم في العالم ..  وعندما التقطه أعين أحد المدربين المهتمين  وطلب منه الانضمام الى الفريق .. لم يوافق والده .. رفض  رفضا قاطعا دون نقاش

ضاع حلمه .. وتحول الى  شخصية مستهترة متمردة .. يرتكب الكثير من الحماقات والتصرفات الطائشة غير مبالى بغضب والده الذى أصبح دائم المشاكل معه ..
فشقيقها يرى أن والده السبب فى فقدانه حلمه بتحكماته وأوامره الغير مبررة  .. ووالده يرى أن  يفهم أكثر منه و يخاف عليه ويريد له الأفضل ..  لذلك فضل شقيقها  أن يهرب من جحيم البيت الذى لا يوجد فيه سوى اليأس والمتاعب والكأبة والمشاكل  التى لا تنتهى  .. الى أصدقائه وسهراته بعيدا عن رقابة والده ونظرات استنكاره


أما رهف فهى  شخصية صامتة تتسم بالهدوء .. لها عالمها الخاص الذى تعيش فيه مغلقة أبوابه على نفسها  اعتادت دائما أن تبقى صامتة تجاه أى مشكلة تحدث
وأن تتقبل الأوامر بدون نقاش حتى عندما أرادت أن تبحث عن عمل تشغل به وقتها وتقلل من وجودها بالمنزل الملىء بالمشاكل بعد تخرجها من كلية الأداب رفض والدها وقال لها ببساطة " البنت مسيرها للجواز "
وكعادتها استسلمت .. لم تعترض أو حتى تناقشه بحاجتها للعمل واثبات ذاتها 
  
ومع الوقت أصبحت انطوائية ..  منغلقة على نفسها .. وأكثر الوقت صامتة شاردة كأنها فى عالم أخر
تشعر بوحشة كبيرة لكونها وحيدة ولكنها أحبت وحدتها وعزلتها لأنها لم تجد الصداقة التى تستطيع انتزاعها من وحدتها
تمنت أن لو كان لها أخت تكبرها أو تصغرها بسنوات تأنس بها وتكون صديقتها .. تتحدث معها وتستمع لها وتستودعها أسرارها

وكم تمنت أن تكون أمها صديقة لها .. تستمع اليها بأذن منصتة وصدر حنون وعقل متفهم .. .. تحكى لها عما بداخلها .. فتحتويها وتقدم لها النصيحة  المشبعة بالحب والتفهم
ولكن أمها  تتعامل معها بمنطق " اكسر للبنت ضلع يطلع لها أربعة وعشرون " .. ودائما تتسائل رهف بصمت
لما تنسى أمها الناضجة ما مر بها وهى صغيرة .. أيام مراهقتها .. فلا تشعر بشعور أبنائها ؟؟

ولأن رهف  لم تجد فيمن حولها من أصدقائها أو أهلها من  يفهمها أو يحاول فهمها .. لذا هربت الى عالمها الذى تعشقه ..  ملاذها الأمن الذى لا ترتاح الا فيه .. عالم القراءة والكتابة .. العالم الذى يفهمها وتفهمه .. الذى تجد روحها و نفسها فيه

فهى تختلف كثيرا عن بنات جيلها  ..
منذ صغرها وهى تحب القراءة .. تجد متعة فكرية وروحية  أكبر بكثير مما تجده عندما تجالس صديقاتها .. لم تكن تحب تمضية الوقت معهم فى الثرثرة و المزاح المضحك
وكلما توغلت فى القراءة أكثر .. تتسع الفجوة بينها وبين أصدقائى وبين عائلتها وتزداد غرابة وانطواء وبعدا
فهم يروها كئيبة حد المرض ويخافوا أن تنتقل العدوى اليهم

وهكذا كانت متعة رهف الوحيدة أن تحمل كتاب وتغوص فى صفحاته ولا تشعر بشىء حتى تنتهى منه
وفى يوم من الأيام قرأت هذه الجملة
أكتب لأتداوى (إيزابيل الليندي) .. أعجبتها .. مست أعماقها  ولمست روحها
فبدأت تكتب ولا تدرى متى أصبحت تعشق الكتابة ؟؟
ولكنها عندما تفرح أو تحزن .. لا تشعر بنفسها الا وهى تمسك بالقلم وتدون عواطفها وأحاسيسها ومشاعرها
حتى أصبحت الكتابة عشقها وملاذها .. تهرب بها من واقعها المؤلم وتحلق فى عالم الخيال لتصل الى السلام النفسى الذى ترجوه
أصبحت الكتابة صديقتها المريحة التى تتفهمها وتعبر عنها
فى البداية كانت تدون لنفسها ..
فتعبر عما بداخلها .. عما يحدث حولها .. تكتب أحلامها وبعض مشاعرها التى تؤرقها  فتشعر بالراحة
وبعد ذلك تمنت أن تنشر ما كتبته .. أن تجعله يصل لقلوب من حولها لعلها  تجد ذاتها ويكون لها هدف فى عالم الكتابة
فبدأت فى تجميع كل ما كتبته فى كتاب وذهبت بسعادة لتخبر والدها ووالدتها  عن ما تفكر به  .. عن وليدها الأول  وحلمها الذى تتمنى أن يتحقق ويخرج للنور
قالوا لها باستهزاء وسخرية  :
عن أى كتاب تتحدثين ؟؟ أهى دعابة منكِ؟ 
و لمن تكتبين ؟؟ أتظنين أن أحد سيقرأ هذه الكلمات التافهة ؟
فنحن لن نقرأ تلك التفاهات ولا نفهمها  ولا يوجد أحد سيقرأها  ..
 أتظنين نفسك احسان عبد القدوس ؟؟
والكثيييييييييير من الكلمات الجارحة التى انتهت بالأوامر التى دائما تتقبلها وتستجيب لها دون نقاش
كتاباتك لا قيمة لها فأتركى هذه الحماقات .. فنحن لايوجد لدينا مال لنضيعه على هذه التفاهات والحماقات

 ومن هنا بدأت رهف  رحلة التمرد .. التمرد على موهبتها .. على عشقها للكتابة
شعرت أن حلمها ليس له معنى بدون أن يدعمها ويشاركها أحد فى تحقيقها
ففقدت رغبتها فى تكملة الكتاب التى تود نشره .. وأصبحت الأوراق حولها  مبعثرة كأحلامها الممزقة
فكم تمنت أن تفرح بها أمها وأن يشجعها والدها ؟؟
فدائما كانت تتحرق شوقا أن يشاركها أحد اهتمامتها .. أن يطلب أحد منهم قراءة كلماتها .. أن يناقشوها .. ينتقدوها وينصحوها .. ويدعموها بمزيد من الثقة حتى تستمر فى هوايتها وتقويها لتصبح أفضل  فتخرج كلمات صادقة  من قلبها تصل لقلوب من حولها
ولكنها لم تجد غير الاستهزاء والسخرية

تمنت أن تصرخ بهم وتقول  
هذه كتاباتى .. أحلامى وان كانت سخيفة ضعيفة المعانى والكلمات
كل ما أكتب يحمل جزء منى .. من روحى .. من نفسى
ليس ذنبى أننى أحببت القراءة .. ليس ذنبى أن الكتابة عشقى .. ليس ذنبى أن طموحى وحلمى مجرد قلم وورقة

ولكنها لم تفعل .. صمتت كما كانت تفعل دائما .. فلا أحد سيهتم بما تقول أو تتمنى
واستجابت لهم حتى لا ترتكب ما يجلب لها الاستهزاء والسخرية ..
ودعت صديقتها المريحة فجمعت أوراقها المبعثرة ووضعتها هى وأحلامها فى حقيبة قديمة مهترئة وأغلقت عليها للأبد
تمردت على موهبتها .. لم تستجب لها رغم الحاحها الفظيع .. رغم احتياجها اليها .. رغم اشياقها اليها .. اشتياقها للبوح عما بداخلها
تمردت عليها لأنها
لم تكن جريئة حتى تثق فى الصوت المنبعث من داخلها بأنها تملك الموهبة التى ستجعلها تبدع فى هذا المجال و أن لا تهتم بأراء من حولها  .. أن تتجاهل سخريتهم ولا تلتفت لها .. أن تدافع عن حلمها وتسعى لتحقيقه 

وما فعلته فى النهاية أنها  أسدلت الستائر الداكنة على عالمها المفضل  .. وضاعت نفسها وسط أوراق حلمها الممزق .. وهربت الى عالم أخر .. عالم لم تكن تريده .. كانت تقاومه ولكنها استسلمت له

يتبع ...........

الحيلة الشيطانية ( الجزء الأول )



                                            قتلت حلمى بيدى !!!!!

كانت العاشرة صباحا حين استيقظت رهف على أشعة الشمس الخافتة  التى تسللت من خلال ستائر نافذة شرفتها .. فتحت عينيها ببطء ثم فركتهما بخفة لتستوعب الضوء القادم من نافذتها
نهضت من فراشها بسعادة وتوجهت الى نافذة شرفتها وفتحت الستائر فى لهفة وهى تدعو نسمات الصباح لتشاركها فرحتها
 فاليوم أسعد أيام حياتها .. ولادتها الثانية ان صح التعبير ..  اليوم سيتوج حلمها فى حفلة توقيع أول كتاب لها .. وليدها الأول وحلمها الذى تمنت أن تحققه فى يوم من الأيام
أخذت نفسا عميقا وهى تبتسم بسعادة ..  تشعر أن الشمس فرحة لفرحها .. تحتضنها بحنان وتسلل الدفء بداخلها
تركت الستائر و هى تشعر أن روحها محلقة فى السماء من السعادة اتجهت بخفة الفراشات نحو خزانة ملابسها  لتلقى نظرة على فستانها الأبيض الجميل الذى اشترته أمس لتحضر به حفلتها على الرغم من اعتراض والدتها على لونه الأبيض 
ولكنها  أصرت عليه فهى تحب اللون الأبيض كثيرا .. فهو لونها المفضل .. لون النقاء والبراءة .. الذى يجعلها تبدو كالأميرات
فتحت رهف الخزانة وأخرجت الفستان من الكيس البلاستيكى الذى يحميه من الأتربة وأخدت تتأمله وتدور به فى سعادة كالفراشة أمام المرأة
ثم تذكرت أن فرحتها أنستها دعوة صديقاتها لحفلتها  .. فتوقفت عن الدوران ووضعت الفستان  بحذرعلى السرير وهى تهمس له بسعادة
( أمامى الكثير لأفعله ولكن انتظرنى  .. سأعود اليك سريعا )
ركضت لتغتسل وتتوضأ وتصلى ركعتين وبعد أن انتهت  ذهبت  لتهاتف أصدقائها  .. ضحكت وثرثرت  كثيرا معهم حتى تأخر الوقت ولم يتبقى على موعد حفلتها سوى ساعتين

فعادت الى غرفتها مسرعة والابتسامة لا تزال تملأ وجهها  لتستعد لهذا اليوم الرائع

ولكنها فجأة انتفضت و اختفت الابتسامة التى كانت تضىء وجهها  .. اتسعت حدقتاى عيناها وهى تنظر الى   فستانها الناصع البياض وقد امتلىء بالبقع
تسمرت مكانها  و علت الدهشة وجهها وهى تتسائل بحسرة
 من أين جاءت هذه البقع ومتى ؟؟
وكيف ستذهب الى الحفلة بفستان ملىء بالبقع ؟؟
جلست رهف تبكى بحرقة .. فمهما فعلت لن تستطيع محو تلك البقع من ثوبها الأبيض .. ثوب النقاء 
 
انتفضت رهف من النوم وهى مازلت تبكى ..  وجدت نفسها فى غرفتها المظلمة نائمة أمام جهاز الكمبيوتر
وعندما تنبهت أنها كانت تحلم  .. نظرت الى الشاشة .. الى اسمه  .. مازال  offline فأصاب جسدها موجه باردة وشعرت بخيبة الأمل 
 ثم  تحولت نظراتها الى  الساعة الالكترونية المثبتة على شاشة الكمبيوتر  وجدتها تشير الى الخامسة صباحا
ومرة أخرى نظرت الى اسمه
تنهدت بألم وهمست بحسرة لن يدخل .. جلست فى مكانها شاردة الفكر ترمق أزرار الكيبورد والدموع تملىء عينيها  ..    كانت مترددة مشتتة ضائعة  بين عقلها وقلبها ..  عقلها يخبرها أن لا تفعل ما انتوت عليه حتى لا تندم  وقلبها يحثها أن تفعل حتى تنهى عذابه وعذابها  
وفجأة تحركت أنامل يديها المرتعشة لا شعوريا على أزرار الكيبورد لتخط  مسرعة تلك الكلمات التى تنهى حيرتها وتمزقها وعذابها .. لتعيده الى حياتها مرة أخرى ..  وبنفس السرعة ضغطت زر الارسال ..
كأن يديها أيضا كانت حائرة وضائعة مثلها .. كأنها  كانت تخشى أن تتوقف عن الكتابة  .. أن تتجمد وتستجيب لصوت عقلها
وبعد أن انتهت أغلقت الجهاز وجرجرت نفسها وتهاوت على فراشها 
وهى تتمتم بصوت مشروخ
" كان حلم رائع  .. وبيدى قتلت حلمى  "
أغلقت عينيها وما لبثت أن سقطت فى غيبوبه بين النوم واليقظة

فهذا هو حالها 
منذ أن تعرفت عليه شبكة الانترنت .. أصبحت تحيا متعلقة بسراب وعوده الكاذبة  .. ضائعة بين الحقيقة والزيف .. تائهة بين الحلم والواقع .. أصبحت مجرد بقايا بشر غائب عن الوعى .. عن الحياة .. وأصبح  هو حياتها وواقعها الوحيد

                                                

الأربعاء، 27 يونيو 2012

الغلطة المفضلة


لم يُثيرنى التساؤل يوماً  عن سر عشقى لدور الضحية ؟؟
هكذا كانت تُتمتم لنفسها وهى تجر أذيال الخيبة بعدما رأت خيانة حبيبها وصديقتها المقربة

هو أيضا جرحها .. خدعها .. خانها .. فعل بها مثل ما فعله السابقون
لم يتغير شىء عن كل مرة ..
لمسات مسروقة ..  ومتعة مؤقتة .. وسعادة خاطفة .. وأحاسيس مستهلكة ووعود كاذبة
ثم يتركها مبعثرة مشتتة ممزقة من الألم
وفى كل مرة تُلملم بقايا كبريائها الموجوع وتتشح بالحزن  وتستسلم لتيار الكأبة وتغرق فى طوفان من الدموع
وتتأمل نفسها فى المرآة بنظرة  متعاطفة مشفقة متحسرة على تلك البائسة المخدوعة التى تراها
ثم تبحث عن من حولها ليسمعوا نفس ما سمعوه مرات عديدة سابقة ..  فتحكى لهم بحسرة نفس القصة وتستعيد نفس الذكريات .. فتقول نفس الكلمات .. وتذرف نفس الدموع .. وتسأل نفس الأسئلة ..
هل قُدر على أن أحيا حياتى كفريسة للذئاب البشرية ..  ؟؟
أن أنعم بلحظات من الحب والسعادة وأشقى كل أيامى بالخيانة والغدروالخداع ؟؟
أن يتلاعبوا بى وبمشاعرى الصادقة وأحلامى البريئة  كما يتلاعبوا بالدمى .. ثم يتركونى مستنزفة محطمة بلا أى احساس بالذنب أو الندم ؟؟
تبا لهم .. جميعهم كاذبون خادعون
لماذا لا يحق لنا أن نحاكم الذين يعبثون بنا من الداخل .. أن نحاكم جميع المخادعين والكاذبين ؟؟
كم أنا غبية ! .. ليتنى لم أحب .. ليتنى لم أكن تلك الفتاة الحالمة التى تؤمن بقصص الحب الخيالية  وتقضى حياتها  تبحث عن الحب الصادق وفارس الأحلام

وبعد أن تنتهى تنتظر كلماتهم المتعاطفة ونظراتهم الدامعة المشفقة علي تلك البائسة التى تنتحب أمامهم  فتشعر بقليل من الراحة وتكف عن البكاء والانتحاب عندما  يؤكدون  لها أنها عل حق .. وأن جميع البشر كاذبون .. منافقون .. خادعون .. عابثون
وأنها كانت ضحية برائتها  وقلبها المحب الصادق
وتنتهى جلسة التعاطف  بقرارها  الخطير  ( لن أحب مرة أخرى )

ثم يأتى أخر .. يُعيد نفس الاسطوانة .. يُسمعها كلماته الرقيقة فتذوب خجلا وتتراقص دقات قلبها من الفرح
وتتبدل مشاعر الكآبة والشفقة بمشاعر الفرح ونشوة الانتصار ..  فبالأمس كانت منكسرة اليوم أصبحت مرفوعة الرأس
تتراجع عن قرارها بأنها لن تحب مرة أخرى .. وتبرر لنفسها سبب تراجعها
فتُصبح مثل ببغاء يردد بسعادة .. هذا لا يشبهم .. انه مختلف .. رومانسى فى كل شىء .. يحنوا على كثيرا .. يهتم بى..
 فتتجرد من ملابس الحزن والألم لترتدى ملابس الفرح وتتدثر بوشاح الحب المطرز بالأحلام الرقيقة ..  وتودع  تلك البائسة الحزينة  لتحلق كالعاشقة الحالمة بعشق ليس له مثيل
وهى تردد بسعادة
أشعر أن الحياة بدأت تبتسم لى ..لقد وجدت فارس أحلام حكايتى الذى سينتشلنى من بحر اليأس ويأخذنى الى شاطىء الحب لأنعم بدفء الحب وروعته
وتُكررتلك الكلمات المشتتة مثلها حتى تحفظها عن ظهر قلب .. كأنها لا تريد أن تترك فرصة للعقل أن يشك فيفكر و يحلل .. فربما لا يقتنع بقرار القلب ويحاول أن يًثنيه عن تهوره وينصحه بالتريث قليلا ..
وهى كالعاشقة الحالمة لا تبصرولاتسمع ولا تشعر بشىء  سوى حنان وروعة أميرها  وتود أن تعيش اللحظة كما يريد قلبها فتسد أذنيها  عن سماع صوت العقل   
وعندما تصل الى نفس النهاية .. عندما يخونها ويجرحها ..
تتغنى بتلك الجملة الشهيرة ( الحب أعمى ) والمحبون لايرون أخطاء وعيوب من يحبون ولا يشعرون بالحماقات التى يقترفونها لأن جنون عشقهم لمن أحبوا هو الذى يقودهم  

دائما هى هكذا ..
تبدأ من نفس البداية وتنتهى لنفس النهاية
دائما تسير فى نفس الاتجاه الخطأ .. ولا ترى العلامات التى تنبهها لتحترس فترتكب نفس الأخطاء
وتخرج خاسرة ولكنها لم تتعلم شىء لأنها دائما تبرر لنفسها أنها  الضحية
ففى كل مرة يتحطم بداخلها شىء.. تنكسر وتتشوه الكثير من المعانى الجميلة بداخلها
وفى كل مرة تتهمهم بالخداع والكذب والغدر والخيانة .. ولم تنتبه أنها أول من كذب على نفسها وخدعها لأنها لم تتعلم من الخطأ الأول وكررته مرة أخرى

                                       
أنستعذب مرارة  الألم .. أنستعذب نظرة الشفقة فى عيون الأخرين ؟؟
لِمَ نحكم على قلوبنا بالتألم والعذاب الأبدى ؟؟
متى سنتوقف عن قبول دور الضحية ؟؟
متى سنتوقف عن اختلاق أعذار لمن لا يستحقها ؟؟
متى سنستمع الى قلوبنا  التى تصرخ  وتقول  .. حافظوا علينا .. لن نتحمل انكسارات أخرى ؟؟
متى سنترفق  بأرواحنا المتعبة التى تئن وتتوجع من فرط ما أصابها من جراح ؟؟
متى سنتمرد على أنفسنا الضعيفة المستعذبة لمرارة الألم   ونصر أن نعيش كغيرنا حياة طبيعية خالية من نظراتهم المتعاطفة المشفقة على ما وصلنا اليه  ؟؟

الشفقة
ليست جيدة .. شعور سىء ومؤلم جدا
اذا كنت لا تريد أن تراه يطل من عيون الأخرين .. اذا كنت لا تريد أن تلمسه فى كلماتهم وتصرفاتهم معك
اذا كنت لا تريد أن تشعر بهذا الاحساس تجاه نفسك .. و اذا كنت لا تريد أن تعتاد هذا الشعور ..
توقف عن قبول دور الضحية
توقف عن قبول الأشياء السيئة
يجب أن تكون كيسا فطنا متيقظا تتعلم من أخطائك ولا تُكررها مرة أخرى
كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم
(لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين (

هناك أشياء علينا أن نتعلمها مرة بعد مرة .. علينا أن نتأمل جروحنا ونتعلم ألا نكرر الخطأ مرة أخرى .. أن نتجنبه فى المستقبل .. حتى لا يختلط الأمر علينا وتُصبح القاعدة استثناء والاستثناء قاعدة .. أى يصبح الخطأ عندنا قاعدة وعادة .. نستعذب مرارة ألمه ويصبح هو غلطتنا المفضلة


جميعنا لدينا الكثير من الأحلام نتمنى تحقيقها وأولها هو الحلم الوردى .. الحب الصادق 
وعندما نُحب بصدق  وننخدع بقسوة .. ننهار ونُكسر .. تُجرح قلوبنا ونتألم بشدة .. فننتظرونبحث عن أمل جديد يُداوى جرح قلوبنا ويُرمم كسرنا .. وعندما نراه نفرح ونهرول وعندما نقترب نكتشف أنه وهم وسراب فتتلاشى وتضيع أحلامنا الرقيقة التى نسجناها بكل شوق .. ويموت جنين الفرحة فى قلوبنا

كان علينا ونحن نهرول باحثين عن أمل جديد أن ننتبه للعلامات التى قابلناها من قبل .. العلامات التى  تنبهنا لنحترس من الوقوع فى  الهاوية
فتنهار قصورالحب والسعادة التى بنيناها فوق رؤوسنا 
ونخرج من تحت الأنقاض أشباح .. مجرد بقايا بشر .. فقدت رغبتها فى الحياة بفقدها لأحلامها ومشاعرها .. وبفقدها للثقة بأنفسها وبالأخرين .. نادمة على تشوه صورة الحب النقية التى كانت تحتفظ بها فى داخلها ..  وتبقى فى حالة مؤسفة من الدهشة والندم والذهول

الثلاثاء، 26 يونيو 2012

العدو المجهول



هل تتفاءل بحدوة الحصان؟
هل تتشاءم من الرقم 13 أو من المرآة المكسورة أو من فتح المقص ليلاً أوترك الحذاء على الأرض بالمقلوب
  أو من البوم .. القط الأسود .. الغراب الأسود ؟؟
هل تؤمن بقراءة الفنجان والأبراج والعرافة و.............؟؟

اذا كانت اجابتك نعم ..  فاحذر من وعكة صحية بعد قراءتك هذه القصة .. لقد أعذر من أنذر


ليلة مظلمة .. برد قارص .. والمطر ينهمر بقوة
بدأت تستعيد وعيها تدريجيا على صوت الرعد المخيف .. فتحت عينيها ببط وهى تشعر بألم رهيب يدق رأسها بعنف.. لتجد نفسها ممددة على أرض صلبة  بظلام دامس  وماء المطر ينهمر ليغطى جسدها
شعرت بالخوف وازدادت ضربات قلبها  .. أغلقت عينيها بسرعة و أطبقت جفنيها بقوة وهى تردد فى خوف
ده أكيد حلم .. أكيد كابوس  ودلوقتى أصحى
فتحت عينيها ببطء مرة أخرى وهى ترتجف وتمتم بخوف :
يارب يكون حلم .. وعندما سمعت صوت الرعد المخيف ورأت الظلام الحالك من حولها
خيم عليها شبح الخوف  وهمست بتمتمات مرتعشة
هو أنا فين ؟؟ وفين ماما وبابا ؟؟
شعرت بألام مبرحة فى أنحاء جسدها ولكنها  تحاملت  على نفسها ونهضت متثاقلة .. وعيناها تدوران تنظر الى المجهول من حولها لترى انها على قمة جبل 
سارت متعثرة الخطوات في الطريق المظلم..  تجرجر قدميها المرتعبة وتنظر حولها باحثة عن أحد .. ولكن لا يوجد حولها غير المجهول
الريح تشتد .. تواجه جسدها النحيل .. تتلاعب به .. والبرق يلمع فى صفحة السماء .. يتلوه صوت الرعد المخيف
تمتلئ عيناها بالدموع .. تصرخ وتنادى بخوف على والدها ووالدتها  ولكن ليس هناك جواب
كانت خائفة مرتعبة فهى تواجه المجهول وحدها الذى لا تعرف كنهه ولا تعرف متى سينتهى , أو ان كان سينتهى  ..
تشعر بخطوات تقترب من خلفها  .. تتوقف تلتفت وتنظر حولها بعينين هلعتين ممتلئتين بالدموع  لكنها لا ترى أحد
عادت تجرجر قدميها  فى بطء وتخاذل وضربات قلبها تتسارع هلعا ..
وتبحث حولها  بعينيها المغرورقتين بالدموع .. المشبعتين بنظرات الخوف والهلع لعلها ترى من يراقبها  ..  لمحت توهج نور خافت منبعث من خلفها   ..  توقفت عندما رأت صديقتها سلمى تقترب مع اقتراب النور .. فابتسمت وارتجف قلبها ارتجافه صغيره بامل واهن
 حاولت التحديق فرأت صديقتها تتكلم ولكنها لا تسمعها   .. ترى شفتيها تتحرك ولكن  الصوت لا يصل اليها .. وفجأة شعرت بأحد من خلفها دفعها لتسقط من الجبل وهى تصرخ

انتفضت دنيا من نومها وهى مازلت تصرخ .. أنفاسها متقطعة من الخوف ودقات قلبها سريعة وأوصالها ترتجف
نظرت حولها لتجد نفسها فى فراشها .. بدأت  تستعيد أنفاسها المتلاحقة وتعود الى هدوئها تدريجيا  عندما أدركت أنه كابوسها اليومى المتكرر
 أمسكت كوب الماء من جانبها بيدها النحيلة المرتجفة وارتشفت رشفات قليلة تعيد لها الهدوء
أعادت الكوب الى مكانه ووضعت يديها على دقات قلبها السريعة وهى تهمس بألم
امتى بقى هخلص من الكابوس ده اللى بيطاردنى فى نومى لحد ما أصحى وأنا بصرخ من الرعب ؟؟
ثم أغمضت عينيها تحاول استعادة الحلم لعلها تفهمه أو تفك رموزه

دنيا  فتاة فى أواخر العشرينات من عمرها .. ليس لديها أخوات
فقدت أمها وهى طفلة صغيرة  .. وعندما تخرجت من كلية التجارة وعملت باحدى البنوك
رحل والدها أيضا عن الحياة فى حادث مرورى
كانت وفاته صدمة قاسية لها ..  لم تكن تتخيل أنها ستفقد أباها يوما ما وأنها  ستعيش بدونه .. فمنذ أن توفت والدتها  كرس والدها حياته لرعايتها .. وأصبحوا يتلازمان ليل نهار ويتشاركان فى كل الأوقات حتى أصبحت هى محور حياته وهو محور حياتها
كان هو السند والمعين لها فى الحياة .. تعتمد عليه اعتمادا كليا فى كل شىء فى حياتها .. حتى فى أبسط الأمور  
دائما كان بجانبها ليحميها من الأخطار ومشاكل الحياة
وعندما رحل عن الحياة .. تركها معدومة التجارب .. مكتوفة العقل .. لم تكبر .. لم تتعلم الحياة كأنها ماتزال صغيرة
أصبحت وحيدة تائهة دائمة التوتر .. قليلة التركيز  وشديدة الانطواء بشكل غير طبيعى .. فبوفاته فقدت مصدر الحنان والأمان لها فى الحياة
وترسخ فى أعماقها الخوف والعجز من مواجهة الحياة .. عانت كثيرا من الفزع والرعب والقلق والخواء حتى أنها فقدت طعم النوم الهادىء .. فاذا نامت لاحقتها الكوابيس المزعجة حتى تصحو فزعه
ليس لديها أقارب الا عم وحيد ..
انتقلت الى منزله بعد موت والدها ولكن زوجته لم تحتملها بين أبنائها وبناتها الصغار.. ففضلت العودة والعيش وحيدة فى منزلها على أن يطمئن عليها عمها كل فترة

ولا تحب الاختلاط بمن حولها من الجيران حتى يتسبب لها هذا الاختلاط بالمشاكل والمواجهات التى لا تجيد التصرف معها وتفضل دائما أن تتنازل عن حقوقها فى أى مشكلة هربا من المواجهة والصراعات التى تسبب لها الرعب
 ولكنها تحب جارتها العجوز الأرملة التى تجيد قراءة الفنجان .. هى سيدة مسنة توفى زوجها وسافر ولدها الوحيد .. تذهب لها دنيا لتقرأ لها الفنجان وتسعد بحديثها وصحبتها لها وحكايتها الممتعة المثيرة التى لا تنتهى
ولكن صديقة طفولتها  الوحيدة سلمى لا تحب جارتها العجوز  ولا تصدقها وتقول عنها عجوز مسنة أدركها الخرف لكبر سنها

فتحت دنيا عينيها المرهقة ومسكت رأسها المتعبة من التفكير ..
ونظرت  الى الساعة المعلقة على الحائط كانت تشير الى الساعة الخامسة صباحا .. مازال هناك الكثير من الوقت على موعد عملها ولكنها لن تستطيع النوم مرة أخرى فالألم فى رأسها لا يطاق والمخاوف لا تهدأ .. أخذت نفسا عميقا و نهضت من فراشها وألف سؤال يجتاح فكرها ليصيبها بحيرة تزيد من خوفها وقلقها
من هذا الشخص المجهول الذى يأتى من خلفها ويدفعها لتسقط من أعلى الجيل .. ولِمَ لم تستطع رؤية وجهه .. وماذا كانت تقول سلمى .. لماذا لم تستطع أن تسمع ما تقول ؟؟ أكانت تنبهها من الشخص الذى دفعها ؟؟

دخلت دورة المياه وأخذت حمام ساخن لعلها تستطيع أن تسترخى وتنسى هذا الكابوس المفزع وتتوقف عن التفكير قليلا   ثم بدأت طقوسها اليومية
 دخلت الى  المطبخ أعدت قهوتها و كعادتها كل يوم قبل ذهابها للعمل دخلت الى الشبكة العنكبوتية  لترى ما هو مكتوب ببرجها اليوم لتطمئن وتعلم ما يخبئه لها العالم الخارجى وتتجنب أى شىء سىء يحدث لها
وعندما تطمئن أن كل شىء على مايرام ترتدى ملابسها وتذهب للعمل
وهكذا أصبحت حياتها بعد أن توفى والدها فى حادث مرورى شنيع  .. استسلمت لوهم اسمه الخوف .. الضعف .. العجز عن مواجهة الحياة
فمرت سنين وهى فى  ظلمة دامسة .. برودة قاسية .. فى عالمها المنغلق على نفسها .. وكل يوم تزداد انطواء ويتضخم خوفها ووساوسها وقلقها من العالم الخارجى
وحتى تطمئن نفسها من أفكارها المخيفة .. وتستطيع التعامل مع ما يخبئه لها العالم الخارجى
أصبحت مهووسة بقراءة الأبراج والكف والفنجان وتقتنع بما ينتج عنهما خير أو شر .. يمثل تقليد يومى لها ..
لا تفوت يوم من دون معرفة تفاصيل ودقائق برجها  .. وتتخذ من التنبؤات المفترضة لبرجها محركا لمسارها اليومى .. حتى أصبحت حياتها أسيرة لتلك الخرافات

ذهبت دنيا الى العمل وهى مازالت شاردة تفكر فى ذلك العدو المجهول الذى ينوى لها الشر
لا حظت صديقتها سلمى شرودها ..  فاقتربت منها وسألتها

سلمى : مالك يا دنيا  .. شكلك مش مظبوط النهارده  .. سرحانة فى ايه ؟؟ 
دنيا : مش عارفة مخنوقة .. بقالى فترة بحلم حلم غريب ونفسى أعرف معناه
سلمى : خير ان شاء الله .. حلم ايه ؟؟
 دنيا : هحكيلك
 وبدأت دنيا تحكى لصديقتها الحلم الذى يطاردها
وأنهت حديثها  قائلة : نفسى أشوف وش الشخص اللى بيزقنى ده .. وليه مكنتش بسمعك وانتى بتتكلمى
سلمى : ان شاء الله خير .. انتى تلاقيكى  بس عايزة تغيرى جو
ايه رأيك نطلع الرحلة اللى عاملاها الشركة   لمرسى مطروح ؟؟
دنيا : لأ أنا  ماليش فى الرحلات والناس والدوشة
سلمى : اسمعى بس

وافقت دنيا أن تذهب الى الرحلة بعد الحاح صديقتها سلمى .. فهى تحب سلمى كثيرا .. دائما كانت بجانبها بكل ظروفها الصعبة وهى الشخص الوحيد الذى تثق به وتطمئن معه فى حياة والدها وبعد وفاته
وسلمى أيضا تحبها كثيرا .. على الرغم من شخصية دنيا المهزوزة القلقة وطبيعتها الشكاكة
فهما أصدقاء من الطفولة .. دائما كانوا معا .. على الرغم من اختلافهم المستمر بسبب هوس دنيا بعالم الأبراج وقراءة الفنجان ...... ومحاولة سلمى اقناعها أن كل هذه خرافات وقصص خيالية قد تصدق وغالبا تخيب وأن الغيب وحده بيد الله
ولكن دنيا لا تقتنع و سلمى  تتحمل طبيعتها المنغلقة وتتفهم خوفها وانطوائيتها وتتحمل وساوسها وتحاول أن تكون بجانبها دائما لتطمئنها وتشعرها بالأمان

وبعد أيام قليلة ذهبوا الى مرسى مطروح وكعادة دنيا انعزلت عن الجميع وذهبت لتتمشى على الشاطىء وهى مازلت شاردة تفكر فى الحلم والعدو المجهول

أفاقت من شرودها وأفكارها المزعجة على صوت ذو رنة تعرفها وتسمعها دائما فى الأفلام
التفت وبحثت بعينيها عن مصدر الصوت لتجد عرافة من العرافات الذين يدعون معرفتهم بالغيب
كان شكلها تقريبا مثل الأفلام  .. غجرية  ترتدى جلبابا اسود اللون  .. فوق رأسها طرحة تظهر خصلات شعرها المصبوغ باللون الأحمر وجهها ممتلىء بالتجاعيد الخفيفة  ولكن ملامحها جميلة
و عينها مملوءة بالكحل الأسود مما يجعلها تبدو مرعبة .. وتمسك منديل كبير مضموم بيديها المرسومة بالحناء وتتغنى بالجملة الشهيرة المحفوظة
( أبين زين أبين ... اضرب الودع... و أشوف البخت...أبين.... )

وعندما رأت الغجرية نور تنظر نحوها .. اتجهت لها مبتسمة وهى تقول :
 تشوفي بختك .....؟؟؟

وعندما رأت سلمى من بعيد  تلك الغجرية تقترب من دنيا هرولت باتجاهم  لأنها تعلم أن صديقتها ليست من النوع الذى يثرثر مع الغرباء وترتعب اذا اقترب منها أحد .. ولكنها عندما وصلت اليهم رأت دنيا تتحدث مع الغجرية وتهم بالجلوس معها فقالت لها :

يابنتى ارحمى نفسك كمان ضاربة الودع .. مش كفاية الأبراج وقراءة الفنجان ..  بلاش جهل .. ده انتى متعلمة والمفروض متصدقيش الخرافات دية

دنيا : وفيها ايه خلينى أجرب  .. يمكن أعرف منها مين  اللى بيزقنى من فوق الجبل ده

وأصرت دنيا أن تجرب مهما قالت لها سلمى لتثنيها عن المضى فى تلك الخرافات
فوافقتها سلمى على مضض وهى تعلم أن الأبراج والكف والفنجان والعرافة كلها  أمور منبثقة من عالم التنجيم والتكهن بالغيبيات التى لا يعلمها الا الله
                                                                                                                  
جلست الغجرية على الرمل وجلست الفتاتان أمامها  و في المنتصف بينهما فردت الغجرية المنديل ووزعت الرمال المجمعة به على مساحته و التفتت لدنيا قائلة :
 أرمى بياضك يتحقق مرادك
ضحكت سلمى بسخرية وهى مشفقة على صديقتها التى تصدق هذه الجمل المحفوظة من الأفلام
دسست دنيا يدها فى حقيبتها ووضعت بعض النقود فى يد العرافة

أخذتهم الغجرية و اختارت واحدة من الودع و أعطتها لدنيا قائلة:
 وشوشي الودع و قولي له سرك

ابتسمت سلمى مرة أخرى وهمست لها قائلة بسخرية :
دلوقتى تقولك عندك فرحة بعد نقطتين  ساعتان ، يومان ، أسبوعان ، ربما شهران ، قلت أو سنتان

لم تهتم دنيا لسخرية صديقتها وأخذت الودع التى أعطتها اليها الغجرية وقربته من فمها ثم أعادتها الى الغجرية التى أعادتها الى المنديل مع باقى الودع ثم بدأت تحركهم وتنثرهم وهى تتمتم بكلمات غير مفهومة

وفجأة تغيرت ملامح الغجرية وقالت بتردد :
يا ساتر يارب .. طالعك سىء يا بنتى
خدى بالك .. فى  شخص بيراقبك و ناويلك الشر

ارتجفت دنيا وتصببت عرقا وسألتها بلهفة :
ومين هو ؟
قالت الغجرية  :
خيوط حياتك متقاطعة ومعقدة ومش باين وشه

انصرفت الغجرية وبدأ الخوف والقلق يزداد بداخل دنيا 
قالت لها سلمى بثقة وهى تطمئنها :
على فكرة الست دية نصابة ..  هي أكيد سمعتنا واحنا بنتكلم على الحلم والشخص اللى بيزقك من فوق الجبل .. ولو كانت صادقة وبتعرف فى الغيب صح .. كانت قدرت تقولك مين هو

ولكن دنيا لم تسمع حرف مما قالته سلمى ..  تسمرت فى مكانها كأنها فقدت القدرة على الحركة وعلى النطق
وكلمات الغجرية تتردد فى عقلها وكل كيانها فتمزقها وتبعثرها وتجعل الألم لا يحتمل
ظلت دنيا طوال الرحلة.. مضطربة قلقة شاردة ومهما فعلت معها سلمى لتخرجها من الخوف المسيطر عليها .. لا تستجيب لكلماتها المطمئنة

وعادوا من الرحلة وعادت دنيا مرة أخرى الى حياتها المظلمة الباردة
ومازالت تلك الأفكار السوداء تعبث برأسها ومازال هذا الكابوس المزعج يطاردها كل ليلة
حتى جاء هذا اليوم الذى سيكشف الستار عن هذا العدو المجهول

فى الصباح كالعادة ذهبت سلمى الى العمل .. ولكنها لم تجد دنيا فى مكتبها .. ظنت أن زحمة الطريق أخرتها وبعد قليل ستأتى .. فات الكثير من الوقت و دنيا لم تأتى .. فاتصلت بها سلمى  على هاتفها ولكن دنيا لم تجب  فاتصلت على هاتف المنزل وأيضا رنين ولا يجب أحد

ازداد قلق سلمى ..  شعرت بانقباض فى قلبها قلبها عندما تذكرت كلمات تلك العرافة الغجرية
 وهاجمتها الأفكار المخيفة ولكنها نفضت عنها مخاوفها ورددت بقلق اللهم أجعله خير
وعندما انتهى وقت العمل .. ذهبت مسرعة الى بيت دنيا .. رنت الجرس وبعد فترة طويلة كادت أن تفقد فيها سلمى الأمل وتنصرف
فتحت دنيا الباب ..
كانت شاحبة اللون .. تتصب عرقا .. يبدو عليها التعب الشديد .. تقف بصعوبة  مستندة على الباب
فأمسكت  سلمى بيدها  وساعدتها على الوقوف وأوصلتها لغرفتها
وسألتها بخوف وقلق بعد أن إستقرت في الفراش

سلمى : مالك يا دنيا ؟ حاسه بايه ؟
دنيا : حاسه ان بطنى وجنبى بيتقطعوا من الوجع
تحسست سلمى جبهة دنيا فوجدت حرارتها مرتفعة
انتفضت سلمى فزعا وقالت منفعلة من الخوف :
يا خبر .. حرارتك عالية  .. يالا بسرعة نروح المستشفى
دنيا بصوت ضعيف :
لأ مش هينفع أخرج
سألتها سلمى مندهشة :
ليه ؟؟ !!
برجى  النهاردة بيقول ( احذر ستتعرض الى حادث )
صرخت سلمى منفعلة ومندهشة :
ايه !!!!!!!!!!!  برجك بيقول !! يابنتى ارحمينى وارحمى نفسك و طلعى الوساوس و التخاريف دية من دماغك بقى
دنيا :
انتى نسيتى ان بابا مات فى حادث مرور
وبعدين دية مش تخاريف .. ده علم  .. وبعدين أنا كويسة ..  تلاقينى بس  خدت شوية برد فى بطنى من الرحلة ولما أستريح هخف

أصرت دنيا أن تتحمل الألم حتى نهاية هذا اليوم مهما قالت لها سلمى حتى تقنعها بالذهاب الى المستشفى
فقالت لها سلمى مستسلمة :
طول عمرك عنيدة ودماعك ناشفة
والتخاريف دية سممتلك عقلك وحياتك كلها وهتموتك من الخوف والرعب

لم تستطع سلمى  أن تتركها وحدها وهى بهذه الحالة  .. فاتصلت بوالدتها وأخبرتها أنها ستنام مع صديقتها دنيا الليلة  وحاولت أن تخفف حراراتها بالكمادات الباردة  

كانت حرارة دنيا تزيد مع الاقياء المستمر ومع أنها كانت تتألم بشدة أصرت أن تتحامل على نفسها حتى ينتهى اليوم وتدق الساعة 12  
وبمجرد أن دقت الساعة 12  سمحت  لصديقتها سلمى  أن تأخذها فى تاكسى وذهبت بها الى أقرب مستشفى .. كانت حالتها سيئة جدا ..  ازداد بها الوهن حتى أصبحت لا تقوى على الوقوف ولا حتى على الصراخ  وبمجرد أن وصلوا الى المستشفى فقدت وعيها ودخلت فى غيبوبة

وقفت سلمى تراقب الطبيب عن كثب وهو يفحص صديقتها ودموعها تنسال على خديها بلا توقف
وهى تردد بخوف وقلق :
أنا السبب .. مكانشى المفروض أسمع كلامها وأسيبها .. كان المفروض أخدها بالعافية للمستشفى

تسارعت نبضات قلبها عندما اتى الطبيب والحزن والأسى يرتسموا على ملامح وجهه  ...
وبعد تردد قال لها بنبرة حزينة :
أنا أسف جيتوا متأخرين..  مقدرتش أعملها حاجة .. البقاء لله

لقد  شخص الطبيب  حالة دنيا  بزائدة دودية ملتهبة جدا فى المرحلة الثانية و للأسف لم يستطع أن يفعل شىء
لأن الزائدة الدودية انفجرت وانتشرت الميكروبات فى جسدها ثم انتقلت الى الدم وحدث تسمم عام أدى الى غيبوبة ثم الوفاة  

وقفت سلمى مذهولة لا تصدق ما سمعته .. تحدق فى الطبيب بنظرة رجاء كأنها تنتظر أن يخبرها أنه أخطأ وأن صديقتها ما زالت على قيد الحياة
ثم اقتربت بكيانها المنتفض وأنفاسها المرتجفة ونبضاتها المضطربة من جثمان صديقتها الملقى على الطاولة تحسست وجهها بيديها المرتعشة وحدقت به بنظرات زائغة ولسان حالها يقول :

قلتلك ان الوساوس والخرافات دية هتموتك .. ليه مسمعتيش كلامى ؟؟
كنتى عايزة تعرفى مين هو العدو المجهول .. عرفتى دلوقتى مين هو ؟؟
بقيتى عاملة زى العصفور الجبان اللى سجن نفسه بارادته فى قفصه علشان يهرب من المجهول لحد ما مات

اغرورقت عينى سلمى بالدموع التى انسابت على وجهها وحاولت أن  تصرخ.. لم تستطع وسقت مغشيا عليها





قارئة الفنجان ( نزار قبانى )
جلست و الخوف بعينيها
تتأمل فنجاني المقلوب
قالت يا ولدي لا تحزن فالحب عليك هو المكتوب
الحب عليك هو المكتوب.. يا ولدي
بصرت ونجمت كثيرآ
لكني... لم أقرا أبدا
فنجانا يشبه فنجانك
بصرت ونجمت كثيرا
لكني لم أعرف ابدا
أحزانا تشبه أحزانك 
 *******
مقدورك ان تمضي أبدا
فى بحر الحب بغير قلوع
و تكون حياتك طول العمر
طول العمر كتاب دموع
مقدورك ان تبقى مسجونا
بين الماء وبين النار
فبرغم جميع حرائقه
و برغم جميع سوابقه
و برغم الحزن الساكن فينا ليل.. نهار
و برغم الريح
وبرغم الجو الماطر والاعصار
الحب سيبقى يا ولدى
أحلى الاقدار.. أحلى الاقدار *******
بحياتك يا ولدي امراة
عيناها سبحان المعبود 
فمها مرسوم كالعنقود
ضحكتها انغام و ورود
و الشعر الغجري المجنون
يسافر في كل الدنيا
قد تغدو امرأة يا ولدي
يهواها القلب هي الدنيا
لكن سماءك ممطرة
و طريقك مسدود.. مسدود
فحبيبة قلبك ياولدي
نائمة فى قصر مرصود
من يدنو من سور حديقتها
من حاول فك ضفائرها
يا ولدي مفقود.. مفقود.. مفقود
*******
ستفتش عنها يا ولدي
يا ولدي فى كل.. مكان
و ستسأل عنها موج البحر
و تسأل فيروز الشطان
و تجوب بحارآ وبحارآ
و تفيض دموعك انهارا
و سيكبر حزنك حتى يصبح اشجارا
وسترجع يوما يا ولدي
مهزوما مكسور الوجدان
و ستعرف بعد رحيل العمر
بانك كنت تطارد خيط دخان
بأنك كنت تطارد خيط دخان
فحبيبة قلبك ليس لها
أرض أو وطن أو عنوان
ما اصعب أن تهوى امرأة يا ولدي
ليس لها عنوان
ليس لها عنوان

*******

عندما تتغير ظروف الحياة وتزداد صعوبة .. عندما تزيد المخاطر والمشاكل فى حياة الانسان .. عندما تضعف قدرة الانسان على ادارة وتنظيم حياته  .. يبحث عن شىء ليسد نقصه وعجزه فى مواجهة مشاكله الحياتية ومخاطرها
أحيانا يلجأ الى الخرافات والمعتقدات الخاطئة التى زادت وانتشرت ويصدقها دون التركيز فى غيبية أوصدق هذه الأمور..
 هو يعلم أن كل هذه الأمور قصص تنسج من الخيال قد تصدق وقد تخيب ولكن شعوره بالقلق والاضطراب والخوف والضعف والعجر عن المواجهة يدفعه للتصديق والتشبث بأى أمل يخفف عنه حتى وان كان خيال ووهم